عقب فشل وسطاء إقليميين في إيقاف العدوان الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة، ورفض الاحتلال الاستجابة لمهلة المقاومة الفلسطينية بإخلاء المسجد الأقصى ووقف تهجير أهالي حي الشيخ جرّاح، وجهت المقاومة من قطاع غزة في الحادي عشر من مايو 2021م رشقة صواريخ من طراز (A120) نحو مستوطنة "كريات عنافيم" غرب القدس المحتلة، إيذانًا ببدء معركة "سيف القدس"، الأمر الذي شكل مفاجأة صادمة لحكومة الاحتلال، التي أخطأت تقدير موقف المقاومة وطريقة تفكيرها.
حافظت المقاومة على إبقاء معركة "سيف القدس" في حدود مستوى معين ومدروس، بما يخدم برامج عمل وطنية وأهداف سياسية محددة، إذ إن قيادة المقاومة لم تُشغل سوى ما نسبته (5%) من الأسلحة والقوى، في حين أبقت قوات المشاة على درجة عالية من الجهوزية، بما في ذلك عمليات التسلل "خلف خطوط العدو"، كمرحلة متقدمة ضمن خطة عسكرية مجدولة ومدروسة.
وفي جميع الأحوال، أظهرت معركة "سيف القدس" تطورًا نوعيًا غير مسبوق في قدرات المقاومة العسكريّة، مكّنها من ردع الاحتلال وتعطيل ركائز عقيدته الأمنية وإذابة جوهرها؛ فمن خلال قراءة أبعاد العمليات العسكرية بالإمكان الإشارة إلى امتلاك المقاومة استخبارات نوعية وشاملة، وقدرات هجومية دقيقة وخاطفة، قائمة على عقيدة قتالية متكاملة وناضجة.
وقد نظمت المقاومة منذ عام 2017م قواتها العسكريّة، ما ساعدها في إدارة مكوناتها وضبط نواظم الإجراءات الإدارية والميدانية فيها، الأمر الذي سهل اشتغال الأسلحة المختلفة في الميدان المناط بها، بما يراعي المرونة والتكاملية فيما بينها. وقد ظهر ذلك جليًا في معركة "سيف القدس"، إذ وفر سلاح الاستخبارات لوحدات (المدفعية، ومضاد الدروع، والطيران) بنك أهداف حيويا ودقيقا، يضم مواقع ومنشآت استراتيجية إسرائيلية على امتداد فلسطين المحتلة.
بطبيعة الحال، أسند سلاح التصنيع والإنتاج سلاحي المدفعية والطيران بقدرات جوية متقدمة، مثل: صواريخ (A120، وSH85، وAYYASH250)، ومسيّرات "شهاب" الانتحارية والاستطلاعية، ما ساعد في تحقيق إنجازات مهمة على صعدٍ عدّة، أبرزها: (دقة الإصابة، وكثافة النار، والقوة التدميرية العالية، ومديات الرماية الأطول)، عدا عن تمكنها من التغلب على منظومة "القبة الحديدية"، وبالتالي إلحاق الأذى المادي والمعنوي في أوساط حكومة الاحتلال وجمهورها.
في ذات السياق، ورغم محاولات الاحتلال حرمانها من منظومة القيادة والتحكم، نجحت المقاومة من خلال شبكة الاتصالات الآمنة في الانعقاد الدائم؛ بغرض متابعة سير المعركة وتوجيه المقاومين، وفق تقدير موقف ناضج ومحكم. وقد أضفت "القيادة والتحكم" بعدًا جديدًا للمعركة، تمثل في إجادة التواصل مع الجمهور المتواجد خارج إطار المنظومة العسكريّة، ظهر ذلك في البلاغات المباشرة والرسائل العاجلة الموجهة عبر قناة الأقصى، سواءً لأبناء شعبنا في الضفة والداخل المحتلين أو لحكومة الاحتلال وجمهورها.
بمنظورٍ أكثر اتساعًا، اكتسبت المقاومة -من خلال تطور قدراتها والتغير التنظيمي في بنيتها- القدرة على المناورة في معركة "سيف القدس"، دون الوصول إلى المواجهة الشاملة، وبأدنى الخسائر وأقل الإمكانات. وفي إطار ذلك، نجحت المقاومة في إضافة القدس المحتلة إلى قواعد الاشتباك مع الاحتلال، بالتزامن مع الحفاظ على الفعل الشعبي المقاوم فيها، ما بعث روح المقاومة من جديد في نفوس الفلسطينيين والأمة جمعاء، الأمر الذي سيشكل مرحلة جديدة في صوغ طبيعة المواجهة مع الاحتلال وحدودها الجغرافية والسياسية.