هزيمة وعليها شهود، هذا هو حال الجيش الإسرائيلي الذي دس ذيله بين رجليه، وظل ينبح على بوابات غزة، دون أن يجرؤ على الاقتراب منها، فكانت الهزيمة التي أكدت أن للعدو الإسرائيلي أنياباً تقضم لحم المواطنين، وتدمر المساكن على رؤوس الآمنين، ولكنها تتكسر لو اقتربت من حدود المقاومين.
العدو الإسرائيلي لن يكتفي بالنباح خلف بوابات غزة، ولن يقبل بالهزيمة التي أخافت الإسرائيليين، وخطفت منهم الأمن كما قال رئيس الوزراء السابق إيهود أولموت، العدو الإسرائيلي سيبتدع البدائل للحرب المباشرة، وسيبتدع المكمل للصواريخ والقذائف، وسيفتش عن المتمم لفعل للطائرات والبوارج، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تشديد الحصار على غزة، في خطوة أولى تهدف إلى امتصاص غضب الشارع الإسرائيلي، الذي اكتشف الحقيقة، وعبر عنها من خلال استطلاعات الرأي التي أجرتها قناة 13 العبرية، التي تقول: إن 54% من الإسرائيليين يظنون أن لا منتصر في الحرب، وقد تعادلت المقاومة في غزة مع الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية، في حين قال 24% فقط: إن الجيش قد انتصر على المقاومة، واعترف 18% أن الذي انتصر في المعركة الأخيرة هم رجال المقاومة الفلسطينية.
نتائج استطلاع الرأي هذه مفزعة للقيادة الإسرائيلية التي تعودت أن تزف النصر لشعبها على طبق من الإنجازات البائنة، وهذه الهزيمة أكبر محرض للقيادة الإسرائيلية لتشديد الحصار على غزة، ومحاربتها بلقمة الخبز، والتضييق عليها من خلال المساعدات، حتى صارت اللغة السائدة لكل المستويات السياسية في (إسرائيل) على النحو التالي:
1ـ التضييق على الحاضنة الشعبية للمقاومة في غزة من خلال إغلاق المعابر.
2ـ عدم تحويل الأموال القطرية بالآلية السابقة، لأنها خدمت حماس، كما يزعمون.
3ـ تقوية السلطة الفلسطينية، ومدها بكل مقومات السيطرة على آلية إعمار غزة.
4ـ تعزيز الفصل بين مقاومة غزة والقضية الفلسطينية، وذلك من خلال فتح بوابة المفاوضات.
5ـ وأد أي محاولة تمرد أو انتفاضة سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو في فلسطين 48.
أمام هذا العدوان المتواصل من قبل العدو الإسرائيلي، وأمام هذا التسلط، والصلف الإسرائيلي، وأمام هزالة موقف السلطة الفلسطينية التي لم تعترض على التصريحات الأمريكية التي وصفت المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وأمام لقاء قيادة السلطة مع أكثر من مسؤول دون التشاور مع تنظيمات غزة، ودون مشاركتها، وأمام التحضير للقاء وزير الخارجية الأمريكي دون إطلاع تنظيمات غزة على موضوعات اللقاء، ودون إشراكها في اللقاء، لكل ما سبق، ستجد المقاومة نفسها أمام الخيار الواحد والوحيد، وهو قلب الطاولة، وعدم الرضى بوقف إطلاق نارٍ يمرر الإملاءات الإسرائيلية، فالعدو الذي عجز عن تحقيق أهدافه في الميدان، من المذلة أن يسمح له بتحقيق أهدافه من خلال التهدئة، لذلك ستجد المقاومة نفسها مجبرة على رفض الممارسات الإسرائيلية، والتمرد على حالة الهدوء التي يطالب بها الوسطاء.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العدو الإسرائيلي قد توجع من شعار المعركة "سيف القدس" بالقدر نفسه الذي توجع فيه من صواريخ المقاومة، لذلك فالحذر يفرض على رجال المقاومة ألا يحرفوا البوصلة، وأن تظل القدس عنواناً لأي مواجهة قادمة، فالعدو حريص على أن تكون المساعدات وفك الحصار عن غزة عنواناً للمواجهة القادمة، وهذا ما يجب أن يتنبه له رجال المقاومة، مع ضرورة عدم الانتظار طويلاً، فمرور الزمن الهادئ يصب في مصلحة حلف الأعداء، الذي أربكهم التعاطف الدولي الصاخب مع القضية الفلسطينية.