لو انتصر العدو الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية لانشغل بالاحتفال بانتصاره وتحقيق أهدافه، ولكنه أوقف إطلاق النار وشرع في التهديد والوعيد إن أقدم الطرف الفلسطيني على تهديد الكيان ولو بإطلاق بالون، كيف يهددون بالرد على إطلاق بالون واحد وقد أوقفوا الحرب ولم يتوقف قصف المقاومة لعاصمة الاحتلال ومدنه بالصواريخ؟
ما يفعله العدو الإسرائيلي سواء بالتهديدات التي يطلقها كل ساعة أو ببعض كلاب المستوطنين الذين يطلقهم في القدس وقرى الضفة الغربية إنما هي محاولات يائسة لترميم ما يستطيع من صورته المهشمة ومعنويات شعبهم المنهارة، وتلك الرسائل ليست موجهة إلى الشعب الفلسطيني أساسًا بل إلى الشعب اليهودي المهزوم، حيث إن دولة الاحتلال والمقاومة الآن في مرحلة هدنة هشة تعمل الوفود المصرية وأطراف عربية ودولية على تمتينها من خلال اتفاق شامل بين المحتل المهزوم والمقاومة المنتصرة التي احتفلت وافتخرت كل فلسطين والعالم العربي بانتصارها، والاتفاق سيمنع بكل تأكيد مظاهر عربدة المستوطنين والتهديدات الجوفاء لقادة الكيان الإسرائيلي الغاصب.
قد يظن بعض أن دولة الاحتلال لم تكن خسائرها البشرية والمادية كما هو الحال في الطرف الفلسطيني، وهذا يجعلها في وضع أفضل من المقاومة، ويمنحها القدرة على إطلاق التهديدات بإنزال خسائر أكثر في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية، وأنا أقول إن الصورة في هذا المقام خادعة جدًّا، فالمقاومة لا يعنيها قتل اليهود، وإنما إخراجهم من فلسطين، وقد يكون قتلى اليهود في حدود مئة قتيل إن لم يكن أكثر، فإن الذين قرروا مغادرة الكيان الغاصب دون رجعة قد يتعدى 100 ألف شخص، يجهزون أنفسهم للرحيل، وهذا الرقم غير مبالغ فيه لأن التقديرات الإسرائيلية للذين غادروا الكيان ولم يعودوا بسبب المعارك والانتفاضات السابقة يزيدون على نصف مليون يهودي، وأعتقد أن الرقم الذي ذكرته متواضع جدا تبعا لحالة الرعب والهلع التي أصابت كل الإسرائيليين، ومن يعتقد أن عدد سكان عسقلان لن يتراجع تراجعًا حادًّا بعد الذي شهده سكانها فهو لا يجيد الحساب ولا يعرف طبيعة اليهود ولا حبهم وتمسكهم بالحياة، وعليه ستكون الخسائر البشرية في الجانب اليهودي أكثر بكثير منها في الجانب الفلسطيني.
أما فيما يتعلق بالخسائر المادية فإن ما خسره الفلسطينيون لا يساوي شيئا إلى جانب الخسائر المباشرة وغير المباشرة للاحتلال الإسرائيلي، ويكفي أن المقاومة فرضت واقعا جديدا يُظهر الكيان الإسرائيلي كبيئة غير آمنة للاستثمار، وهذه من أكبر الضربات التي تلقاها العدو، وكذلك المطبعين الأنذال.
ما ذكرته آنفا لا يعني أن خسارة أرواح أهل غزة والفلسطينيين وخسارة ممتلكاتهم تهون ما دامت خسائر العدو أكثر، لا يعني هذا على الإطلاق، فالحرب ذاتها فرضت علينا فرضا، ولأن الأمر كذلك، فلا بد ألا تذهب دماؤنا هدرا ودون ثمن، ما ندفعه رغما عنا وليس بخيار منا هو مقابل الحفاظ على عزتنا وكرامتنا واستعادة مقدساتنا وتحرير أرضنا فلسطين من البحر إلى النهر، وهنا لا بد أن يعلم أهلنا في قطاع غزة أن قلوبنا معكم، ومع ذلك نحن على يقين بأن مشاعرنا تجاهكم في أثناء الحرب لا تعادل ساعة مما يعانيه قاطن في غزة ليلة قصف ولا تعادل دقيقة غضب وقلق وحزن لغزي طُلب منه إخلاء منزله تمهيدا لقصفه، فضلا عن معاناة من فجعوا بفقد من يحبون.
ختاما أقول، إن معركة سيف القدس ستكون حدا فاصلا بين مرحلتين، حيث إن مرحلة الفلتان الإسرائيلي وتحكمه بكل كبيرة وصغيرة في الشأن الفلسطيني قد انتهت، لن يكون قادرا على الاستمرار في تنفيذ مخططاته لتغيير واقع القدس والمقدسات وواقع الضفة الغربية كما في السابق، لن يسمح له وللمستوطنين باستباحة الدم الفلسطيني والأراضي الفلسطينية، ولن يسمح له بالاستمرار في محاصرة أهلنا في قطاع غزة، فالمرحلة الذهبية بالنسبة للمحتل انتهت وبدأت مرحلة الحساب والعقاب التي تسبق الانتصار النهائي والتحرير بإذن الله.