فلسطين أون لاين

خاص "أبو حجاج".. سلك طريق والده حتى لحق به شهيدًا

...

ارتقاء والده شهيدا في "معركة الفرقان" عام ٢٠٠٨ وتحمله مسؤولية البيت من بعده لكونه الابن الأكبر لم يثنِ مصعب أبو حجاج عن الالتحاق بنهج والده في المقاومة، واضعًا نصب عينيه الظفر بالشهادة رغم إدراكه حاجة أهله له، إذ إنه يدير لهم كل شؤون حياتهم إلى جانب مسؤولية أسرته الصغيرة، لكن حبه للجهاد الذي زرعه في نفسه والده الشهيد كان أكبر من كل مغريات الدنيا، ليرتقي شهيدًا خلال معركة "سيف القدس".

وكان أهالي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة قد شيعوا الجمعة الفائتة جثمان الشهيد مصعب أبو حجاج وثلاثة عشر مجاهدا من مقاتلي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس الذين ارتقوا بعد استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي الحربية نفقين للمقاومة.

الأخ البار

وبعد استشهاد والده الذي كان مسؤولا عن وحدة أمن الشخصيات في وزارة الداخلية والأمن الوطني إثر قصف الاحتلال مقرهم عام ٢٠٠٨، وجد مصعب (27 عاما) نفسه أمام مسؤولية كبيرة تتعلق بإدارة شؤون بيت وسبعة أشقاء، فكان على قدر المسؤولية، كما تؤكد شقيقته الكبرى يمان.

استطاع مصعب ملء الفراغ الذي خلفه استشهاد والده، فكان يدير كل شؤون المنزل، ما أراح والدته كثيرًا، فكان ذراعها الأيمن، تقول يمان: "كان يجيد التعامل مع كل منا وفق شخصيته واحتياجاته، فكان بمثابة الأب الحاني والأخ البار".

ورغم عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه إلا أنه كان عاشقا للجهاد في سبيل الله، فحينما بلغ الثامنة عشرة من عمره صمم على الالتحاق بصفوف كتائب القسام، الأمر الذي لم تتقبله والدته في البداية، ليس كرهًا في الجهاد الذي ربت هي وزوجها الشهيد أولادها على حبه، لكن لكونها لا تستغني عنه في تدبير أمور المنزل.

إلا أن إصرار مصعب على سلوك طريق المقاومة دفع أمه للموافقة على انخراطه في هذا الطريق، شرط ألا يؤثر على دراسته الجامعية فكان لها ما أرادت.

وتضيف يمان: "كنا جميعا نعرف بعمله في كتائب القسام ونشجعه على طريق الجهاد، وكنا نشعر وكأن والدنا ما زال على قيد الحياة، فمصعب استطاع توفير أجواء مختلطة بنفس والدنا الذي قضى حياته إما مطاردا أو أسيرا في سجون الاحتلال والسلطة"، متممة رغم كل ذلك "فراق مصعب كان غاية في الصعوبة".

مضت أيام معركة "سيف القدس" كبطء السلحفاة على نفوس أهل مصعب وهم يعلمون أنه مفقود في نفق للمقاومة، تقول يمان: "كنا ندعو الله بأن يعيده لنا سالما غانما، وبينما كان شعبنا يحتفل بالنصر كنا نعيش أصعب أيام حياتنا ونحن نترقب أعمال البحث عن مصعب إلى أن انتشلوا جثمانه وتأكدنا من استشهاده".

الأمر ذاته كانت تقاسيه زوجة الشهيد كروان أبو حجاج التي كانت تضع أمالا كبيرة بأن يعود لها زوجها الحنون الخلوق حيا يرزق، تقول: "كان مصعب قمة في الأخلاق الحميدة، ارتضيته زوجا وأنا أعرف من قبل تحمله المسؤولية وعمله الجهادي كونه ابن عمي".

"ورغم إدراكي لكون نهاية هذا الطريق إما نصرا أو شهادة، وتمنيه لأن يكون شهيدًا إلا أنني كنت أدعو الله دائما ألا يحرمني منه، فقد كان نعم الزوج يدللني ولا يبخل علي بشيء أبدا"، تضيف زوجته.

وأردفت "في كل مرة كان يخرج لمهمات جهادية، كان لا يزور عيني النوم حتى يعود، لكن هذه المرة شعرت بقلق كبير وكنت أبكي بلا سبب، سألته عن وجهته فأخبرني أنه ذاهب لمكان آمن لكنه غاب ولم يعد، وفي صبيحة اليوم التالي جاءنا خبر استشهاده، فكان وقع الصدمة علي شديدا".

لكن بعد سويعات جاء خبر بأن استشهاده غير مؤكد، فعاد الأمل إليها مؤقتا إلى أن تبخر يوم انتهاء المعركة والعثور على جثمانه، لتكون كروان أمام مهمة ثقيلة وهي تربية ابنها محمد (سنة وسبعة أشهر)، فيما تنتظر مولودا آخر علهما يخففان عنها وجع غياب مصعب، مؤكدة أنها ستربيهما على نهج والدهما وجدهما من قبله.