(إسرائيل) كيان مشروع رأس الحربة للاستعمار الغربي وتماهى معه النظام الشيوعي التقدمي في موسكو يوم اعترف الجميع بقيام (إسرائيل) بعد إعلانها بدقائق، وبالفعل عبر أبا إيبان مندوب الوكالة اليهودية في الجمعية العامة للأمم المتحدة تعقيبا على قرار التقسيم بأن هذا يدل على أن المجتمع الدولي أقر بأن اليهود كانوا في فلسطين وعلى إسرائيل أن تسترد ملك اليهود فيها بصرف النظر عن النسبة التي منحت لليهود في أرض فلسطين، فكانت نظرية الاسترداد واضحة في صلب المشروع الصهيوني.
يترتب على هذه النظرية ضرورة إبادة السكان حرفيا وطردهم من الأرض حتى تخلو لليهود وحتى ينشئوا دولة اليهود. وبالطبع فإن المبررات التاريخية والتوراتية أكذوبة كبرى استرجعها السذج من اليهود لاغتصاب أراضي فلسطين.
ومعنى ذلك أن إبادة الفلسطينيين واجب توراتي ودعم (إسرائيل) يقرب عودة المسيح ويوم القيامة عند فريق من اليهود والنصارى المتطرفين.
وقد كشفت المواجهة الأخيرة بين فلسطين و(إسرائيل) عن حقائق جديدة طمست خرافات ظلت ردحا من الزمان قائمة، وأهم هذه الحقائق عشرة على الأقل وهي:
الحقيقة الأولى: تمسك كل الفلسطينيين بأرضهم واستعدادهم للموت عليها، في حين ركز اليهود على معاقبتهم وقمعهم وإبادتهم. فالفلسطيني من كل الأعمار واجه سلاح الغاصب وابتدع أساليب بطولية في تحديه مثل الدهس والطعن مع ما فيهما من مخاطرة من الموت المحقق.
الحقيقة الثانية: أظهرت الأحداث من يدافع عن نفسه ومن تعمد استخدام قوته في إبادة الطرف الآخر لتفريغ الأرض. كما أظهرت نفاق الغرب كله والمجتمع الدولي الذي سمح لـ(إسرائيل) بحق الإبادة تحت ستار حق الدفاع عن النفس.
الحقيقة الثالثة: ظهر أن (إسرائيل) تتصرف تصرف العصابات الخارجة عن القانون وتعتمد على القوة الخرقاء وتبيد الشعب إبادة متعمدة فيما ظهر من سلوك السلطات العسكرية والأمنية فهو قهر لصاحب الحق بسبب تمسكه بحقه.
الحقيقة الرابعة: رغم التفاوت الهائل في قدرات الطرفين واستعداد (إسرائيل) وتخطيطها لاستدراج المقاومة إلى القدس إلا أن إرادة التحدي ظهرت عند كل الفلسطينيين والتحام المقاومة مع الشعب، باعتبارها الذراع الآمن الحامي للشعب وانصهار الكل دفاعا عن بقائها، وكان خطاب أبو مازن في الجامعة العربية مصداقا لهذه الحقيقة التي أحبطت مخططات (إسرائيل).
الحقيقة الخامسة: إذا كان اللص يطالب بكل فلسطين، فالأولى الآن بها أصحاب الحق.
الحقيقة السادسة: ظهر أن (إسرائيل) لن تتخلى عن مشروع الإبادة كلما سنحت الفرصة، وهذا ما عبر عنه نتنياهو يوم 21 مايو 2021، والشعب لن يتخلى عن تحدي اللص ووضع لنفسه هدفا هو طرده كلية من أرضه. ومعنى ذلك أن توقف العدوان هو بطبيعته مؤقت وأن المقاومة تعلم ذلك ولذلك فالطرفان يستعدان لجولة جديدة.
الحقيقة السابعة: أن الهدنة هي التقاط للأنفاس ولحصر الخسائر، فالطرف الفلسطيني يعلم أنه عرضة للإبادة سواء سكن أو قاوم فقرر أن يقاوم وأن يستشهد على أرضه مما أوقع الرعب في قلب اللص الذي يفر من هذا الجحيم. وقد عبر كتابهم عن هذه الحقيقة بالحديث عن ضرورة تفريغ (إسرائيل) من اليهود لأنها لم تعد كما وعد المرابون الفردوس المفقود وأن كل الأساطير التي قام عليها الكيان هي محض أكاذيب سقطت خلال هذه المواجهات.
الحقيقة الثامنة: هي أن (إسرائيل) تحصر النتائج الاستراتيجية والآنية لحملتها وأقض مضجعها أن فلسطيني 1948 يتحدون (إسرائيل) وأن كل العرق الفلسطيني يتحدى محاولات إبادة كما انزعجت قطعا من موقف أبو مازن الجديد من المقاومة.
الحقيقة التاسعة: استقر من المسلمات الفلسطينية أن التعايش مع يهود يضمرون شرًّا لفلسطين مستحيل وأن فلسطين لا تصلح إلا لطرف واحد، وأنه يصعب تجزئتها بعد الآن. و(إسرائيل) تريد أن تقفز على كل هذه الحقائق وتمضي في خطتها ولكن حتى بيانات بعض الدول العربية خاصة مصر وإعلامها خيب ظن (إسرائيل) فقد تضامنت مصر مع فلسطين ومع ما أصاب غزة من دمار وتداول الإعلام مصطلحات غير مألوفة منذ عقود قبل العدوان الصهيوني الغاشم وأعمال الإبادة دون هدف آخر، وارتكاب (إسرائيل) للجرائم فاكتشفت (إسرائيل) أن صفقات السلام ليست ضمانة للاصطفاف ضد فلسطين وأن هذه الدول جزء من أمة واحدة مهما انحرف بعض أعضائها واستدرجوا إلى الزوايا.
الحقيقة العاشرة: لابد أن تشترط المقاومة إعادة التفاوض حول تعاقد جديد يعيش اليهود بموجبه في فلسطين وضرورة تخلي (إسرائيل) عن دعم الاستيطان والمستوطنين واحترام وضعية القدس والمسجد الأقصى واحترام حق الوصول إلى أماكن العبادة والتعويض عن الأضرار التي لحقت ظلما بالشعب الفلسطيني وممتلكاته واغتيال قادة المقاومة الأبطال، وضرورة محاسبة (إسرائيل) على جرائمها، وأن تعترف (إسرائيل) بقرار التقسيم بالعودة إليه وبشروط قرار قبولها عضوا في الأمم المتحدة وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وأن المقاومة هي تعبير عن حق الدفاع الشرعي عن النفس وان الاحتلال وسياساته هو الإرهاب بعينه.
أرى أن تعد المقاومة ورقة بهذا المعنى وحتى لو رفضتها إسرائيل فإن الورقة تعبر عن بعض الحقائق الجديدة وأهمها أن الشعب الفلسطيني لا يثق إلا في إرادته وصموده وأنه قدم ثمن ذلك تضحيات من كل نوع وأن المواطن الإسرائيلي عليه بعد ان سقطت هيبة (إسرائيل) وقوة جيشها الذي قهر الجيوش العربية بسبب الحكام ولقنه الجيش المصري دروسا في الفداء والأخلاق.
إن هذا الجيش ليس سوى أداة لارتكاب الجرائم التي يأمر بها السياسيون تنفيذا للمشروع الصهيوني، فصار الجيش أمام المقاومة كسيرا واكتشف أن للقوة حدود وأن نابليون قال يكفي أن يضحك المهزوم حتى يفوت على المنتصر حلاوة النصر فما بالك بالعار.