فلسطين أون لاين

رمضان ينبش ذاكرتها.. عندما وَلدت فاطمة في السجن

...
غزة-ريما عبد القادر:

قبل أن يذهب الظمأ وتبتل العروق لا بد للأسيرة المحررة فاطمة الزق أن ترجو في دعائها أن تحرر الأسيرات والأسرى من سجون الاحتلال، فلم يغب عنها قط مشهد التعذيب الذي عايشته رغم حملها ونزف الدم الذي كان يخرج من جسدها، فلم يكن يشفع لها، بل زاد المشهد وجعًا حينما حانت لحظة المخاض وهي مقيدة اليدين والقدمين؛ فصراخات الألم أوجعت جدران الزنزانة.

كاد الحجر ينطق لهول وجعها، ومع ذلك صمت السجان كان يزداد قبحًا وظلمًا، كل هذه الذكريات المؤلمة ما زالت حاضرة في كل لقمة تتناولها على مائدة إفطار رمضان، وهي تشعر بمعاناة الأسرى وحرمانهم أبسط حقوقهم، خاصة في رمضان.

جنين أسير

من الصعب على فاطمة أن تنسى سنوات قضتها في سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ فهي عايشت أيامًا عصيبة، خاصة أن الاحتلال أسرها وهي حامل، إذ تقول لصحيفة "فلسطين" وهي تبحر في ذاكرتها أيام الأسر: "كنت حامل في الشهر الثاني، لكن ذلك لم يغير من ظلم الاحتلال شيئًا، بل زاد عدوانًا في محاولة لإجهاضي".

وتتابع وقد ارتسم على ملامح وجهها الكثير من الألم وهي تستذكر معاناتها: "عذبني الاحتلال بالكهرباء والضرب، وربطني على كرسي أيامًا، وعزلني في زنزانة مدة 21 يومًا".

وتكمل بعد أن أخذت نفسًا عميقًا: "بعد هذا التعذيب أخذت أنزف وبقيت أيامًا على هذا الحال، فكنت أستنجد الله تعالى أن يزيدني ثباتًا ويحل لطفه ورحمته على جنيني".

وتبين أنها بعد التعذيب والنزف فقدت الكثير الكثير من وزنها، ومع ذلك لم تجد أي اهتمام طبي بها، أو تعطَ فيتامينات أو طعامًا يسند ضعفها الجسدي.

رائحة السمك

وكانت مع كل لقمة تتناولها تحاول أن تخفي دمعتها وهي تجلس على مائدة إفطار رمضان مع عائلتها، خاصة حينما كانت تستذكر معاناة الأسر إذ تذكر أنها في رمضان الأول من أسرها كانت حاملًا ولم تجد طعامًا يصلح لها، وكل ما كان يقدم قليلًا جدًّا من الطعام الرديء الطعم والشكل، ومع ذلك تحاول أن تصلح أي شيء منه حتى يتقوى جنينها فكانت لقيماتها قليلة جدًّا، وتتزود عوضًا عن ذلك بالدعاء والصلاة والقرآن.

ومن ذكرياتها التي ما زالت محفورة في ذهنها أنها اشتهت تناول السمك؛ فالأمر كان أشبه بحلم يصعب تحقيقه، فأخبرت زميلتها بالأسر بأنها تريد تناول السمك، فضحكت؛ فمن أين لها تحقيق ذلك، فرسمت سمكة ووضعتها على قرص كهربائي، فاحترقت الورقة وبرائحتها أخذت تتنفس ذلك، كأنها تأكلها، الأمر الذي ذرف دمع الأسيرات.

لحظة المخاض

وأخذت الشهور تمر رغم ألمها حتى تحل لحظة المحاض لتعلن قرب الميلاد، هذا الأمر بحد ذاته جعل فاطمة تصمت قليلًا عن الكلام، وتبتلع ريقها بمرارة الظلم والوجع الذي كان يعتصر في جسدها، إذ توضح أنها رغم وجع المخاض واقتراب لحظة الوضع قيد الاحتلال يديها وقدميها، ومع إلحاح كبير فك القدمين مدة قصيرة جدًّا، وهي مدة الولادة، ومباشرة أعاد القيود عليهما.

ودون جدوى حاولت أن يوضع لها محلول من الجلوكوز، خاصة أن جسدها ضعف جدًّا.

وتبين أنها لم تجد أي عناية طبية أو غذائية، الأمر الذي أدى إلى عدم وجود حليب يكفي لترضع طفلها "يوسف"، فكيف سيأتي الحليب وبالأصل لا يوجد غذاء؟!

وحينما طلبت حليبًا مساعدًا للرضيع لم يتوافر سوى مدة قصيرة، وبعد ذلك قطع.

ومن اللحظات الصعبة التي مرت بها أن رضيعها يوسف كان يبكي جوعًا، ولا تجد له حليبًا؛ فأخذت علبة لبن ووضعت فيها لب الخبز وأطعمته لرضيعها، مع أنه كانت سنه أقل من شهرين؛ فليس باليد حيلة.

لا يوجد طبيبة

ووجود أسيرات في سجون الاحتلال لم يغير من الأمر شيئًا، إذ توضح الزق أنها كانت بحاجة ماسة لطبيبة نسائية، لكن ذلك لم يتحقق.

وفي يوم مر صعبًا على الزق ورضيعها ارتفعت حرارة يوسف لأكثر من 39 درجة، وهذا أنذر بالخطر الشديد، ومع ذلك لم تتحرك إدارة السجن رغم محاولاتها المتكررة لأن تعرض على طبيب.

وتبين أنه في ذلك الوقت كانت تنتشر أنفلونزا الطيور، فقد أصيبت بها أسيرات، وكن في ظروف صحية صعبة إذ كانت ترتفع درجات حرارتهن، ما أثر عليهن بوضوح.

وتلفت إلى أن الأسيرات يفتقدن الكثير من الأشياء الضرورية، خاصة الاحتياجات الخاصة، وما يتوافر في "الكانتينا" (مكان لبيع الأشياء) تكون أسعاره مرتفعة جدًّا، ما يصعب شراء الأسيرة الكثير من الاحتياجات، فتقتصر على أشياء بسيطة، فرغم معاناة الأسيرات هنالك استنزاف مالي إذ يستغل الاحتلال حاجة الأسيرات فيبيع الأشياء بأسعار مرتفعة جدًّا.

وتبين أن الأسيرات يعانين قلة تغذية وتساقطًا في الشعر والأسنان، إذ لا يوجد غذاء مناسب لهن، والمعاملة بالغة السوء من إدارة سجون الاحتلال.

وكان العلاج الوحيد الذي تستقوي به فاطمة هو القرآن والدعاء بأن يحفظ الله (تعالى) طفلها يوسف، فكانت الصلاة تقوي من ثباتها، وتجد فيها ملاذها الآمن في تجاوز كل الصعوبات.

وحينما تتحدث مع فاطمة تشعر أن الحرقة ما زالت مشتعلة في قلبها، خاصة أن هنالك الكثير من الأسيرات والأسرى في زنازين الاحتلال.

وفاطمة تحررت وطفلها يوسف من سجون الاحتلال في 30 كانون الأول (ديسمبر) 2009.