لم يهدد محمد الضيف قائد كتائب القاسم دولة (إسرائيل) بقصد التهليل والتهويل، ولم يقصد فقط تخويف الصهاينة، وردعهم عن العدوان ضد أهالي حي الشيخ جراح في القدس، ولم يتوعد الرجل الإسرائيليين بدفع الثمن غالياً من خلال البيانات النارية، والمزاحمة على الحضور الإعلامي في المشهد القيادي الفلسطيني، الذي تعود على استخدام ألفاظ الشجب والاستنكار والإدانة وتحميل المسؤولية، تلك اللغة السياسية التي تتدثر تحتها القيادة الفلسطينية، لقد توعد محمد الضيف الإسرائيليين بدفع الثمن غالياً، وهو يعرف معاني ذلك، وما سيترتب على المعاني من مواجهات ومعارك وبطولات في البر والبحر، وفوق الأرض، وتحت الأرض، وفي سماء فلسطين التي ستنتصر فيها إرادة الإنسان على القبة الحديدية والأكاذيب الدموية.
لقد تمعن محمد الضيف بخريطة الواقع الفلسطيني والعربي والدولي، وأدرك أن واجب المقاومة هو الانتصار للقدس مهما كلف الثمن، وهذا هو نداء الواجب الوطني والديني، فمسؤولية سلاح المقاومة تتجاوز حدود غزة، والإعداء والتجهيز على مدار السنين الماضية لم يهدف إلى الدفاع عن أرض غزة فقط، وفك حصارها، وإعداد الرجال وتدريبهم لم ينجز من أجل شنطة دولارات يحملها الوزير العمادي، على الرغم من أهميتها، سلاح المقاومة تم تجهيزه لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ومن القدس إلى قلب فلسطين، والعمود الفقري لوجود المقاومة.
تهديد محمد الضيف للإسرائيليين جاء بكلمات مقتضبة، وبتصريح خاطف، وكأنه البرق الذي لمع قبل دوي القذائف، فأبلغ الكلام أقصره، وقد قصر الوعيد على جملة: ستدفعون الثمن غالياً، وغالياً هي اللفظة التي تطعن القدرات الإسرائيلية في القلب، وتجبر قيادة الأركان الإسرائيلية على إعادة الحسابات، فلفظة غالياً تعني أن لدى المقاومة ما يخيف العدو، وما يوجعه، ويكسر تجبره، ويقلب المعادلة، وتعني الاستعداد لمواجهة الأسلحة التي يمتلكها العدو، التي اختبرت ميدانيا في أثناء العدوان على غزة قبل سبع سنين.
وعيد محمد الضيف للإسرائيليين كان مباشراً، وتمحور حول مدينة القدس، وحي الشيخ جراح تحديداً، ولم يتطرق الرجل في تهديده إلى بقية القضايا السياسية والحياتية، والتي تشغل بال الفلسطينيين، الرجل سيقاتل من أجل القدس، وهو يعرف أن حياة غزة ومستقبل أهلها مرتبط بالقدس، وأن وجود المقاومة بحد ذاته مرتبط بالقدس، وأن لا قيمة لكل التشكيلات العسكرية دون القدس، وأن وجود حركة حماس دون القدس لا قيمة له، فبئس التنظيم الذي لا تشير بوصلته إلى طريق القدس، وبئست الحركات السياسية الفلسطينية إن لم يقترن وجودها وبقاؤها بتحرير القدس ويافا وحيفا وعكا، وسحقاً لكل تنظيم هدفه الحياة على بقعة صغيرة من أرض فلسطين، ولا تنشغل قيادته إلا بتوفير رواتب الموظفين، وأسعار الخضراوات، وأسعار المحروقات، وتتغافل عن القدس وصفد والجليل وعسقلان وبئر السبع.
تنظيمات المقاومة في غزة تدرك أن الحياة رسالة، وأن رسالتها هي مقاومة العدو المغتصب لأرض فلسطين، وليس مقاومة الاحتلال فقط، لأن وجودنا على هذا التراب الفلسطيني ما كان عبثاً، والهدف الإستراتيجي هو تحرير فلسطين كلها، مهما حاول البعض أن يضفي على انكساره وانحساره لغة الواقعية، ومراعاة الظروف الموضوعية.