فلسطين أون لاين

جبريل (عليه السلام) يتقدم الملائكة فيها

لليلة القدر فضل عظيم.. تحروها كل ليلة

...
غزة-ريما عبد القادر:

شمر عن سواعدك بالوضوء والصلاة؛ فقد هلت علينا الليالي المباركة من شهر رمضان، فإن فاتتك فضل العشر الأولى منها والثانية؛ فلا تُفرط في العشر الأواخر منها؛ ففيها فضل عظيم حيث ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر تتضاعف فيها الأجور والأعمال الصالحة، فهي ليلة مباركة تكون فيها الملائكة أكثر من عدد الحصى على الأرض يتقدمهم جبريل (عليه السلام).

ومهما كانت ظروفك فلا تحرم نفسك فضلها؛ فيفوتك الخير الكثير؛ فاجتهد في طلبها؛ فهذا أوان الطلب.

عظيمة القدر

وعن فضل هذه الليلة المباركة وعظمتها يقول أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية أ.د. سلمان الداية لصحيفة "فلسطين": "إن الله تعالى خص رمضان بليلة القدر العظيمة، وهي خير من ألف شهر، إذ يستجيب فيها تعالى الدعوات، وتتنزل فيها الرحمات، وتكثر فيها الملائكة وتختبئ فيها الشياطين، وتفتح فيها أبواب الجنة، وتغلق فيها أبواب الجحيم".

ويستشهد بذلك عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "دَخَلَ رَمَضَانُ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ".

ويؤكد الداية أنه يحسن بالمؤمن استثمار هذه الليالي بطاعة الله تعالى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فعن عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ".

وعلى المسلم حينما يستيقظ لقيام هذه الليالي أن يحرص على إيقاظ أهله من زوجة وأولاد حتى لا يفوتهم فضل هذه الليالي، إذ يوضح الداية أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحرص على أن يشرك أهله في اغتنامها ليصيبوا حظهم من العبادة، ورجاء أن يوفقوا إلى ليلة القدر، فكان يوقظ أهله.

ويسترشد في ذلك عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكُلَّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ يُطِيقُ الصَّلَاةَ".

فضل هذه الليلة

وعن فضائل ليلة القدر العظيمة يذكر الداية أن الله تعالى أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة، إذ أنزل القرآن العظيم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة الشرف والفضل، وتقدير الأمور والأحكام والأرزاق والآجال التي يظهرها الله تعالى لملائكته، ويأمرهم بتنفيذها، لقوله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ" (الدخان: 3).

ويتابع في ذكر فضائل ليلة القدر: "إن الملائكة تتنزل فيها بالسلام والدعاء والبركة والرحمة لأهل الإيمان إذ قال الله تعالى: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ" (القدر: 4)".

ويقول المفسر الطبري رحمه الله تعالى: "تتنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح في ليلة القدر وقوله تعالى: "بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ" (القدر:4) يعني بإذن ربهم، من كل أمر قضاه في تلك السنة، من رزق وأجل، وغير ذلك".

ويشير الداية إلى أن الملائكة في ليلة القدر في الأرض عددهم أكثر من الحصى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: "إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ - أَوْ تَاسِعَةٍ - وَعِشْرِينَ، إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى".

ومن فضائلها كذلك يوضح أنها سلام؛ لكثرة السلامة فيها من العذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله تعالى، لقوله تعالى: "سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ" (القدر: 5)، فإنها ليلة سلام للمؤمنين من كل شر وعذاب من الجن والإنس، والنار، فهي ممتدة حتى يطلع فجرها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن تلك الليلة تصعد مردة الجن والشياطين وعفاريت الجن، وتفتح فيها أبواب السماء كلها، ويقبل الله عز وجل فيها التوبة لكل تائب".

ومن فضائلها أيضًا أن الله تعالى أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة، وهي سورة القدر.

سبب التسمية

ويرجع الداية تسميتها ليلة القدر إلى ما ذكره العلماء من ثلاثة أسباب، أولها أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وكمال علمه وقدرته.

وأما السبب الثاني فبين -حسبما ذكره العلماء- أنها سميت بذلك لأن القرآن الكريم نزل فزادت به شرفًا وقدرًا، فإنه المعجزة الخالدة، أما السبب الثالث فأن للعبادة فيها قدرًا عظيمًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

متى ليلة القدر؟

وكثير من الناس يسأل عن محل ليلة القدر: هل هي ثابتة في ليلة معينة أم أنها متنقلة؟ وفي ذلك يبين الداية أن العلماء قد اختلفوا في محل ليلة القدر أي ليلة من العشر الأواخر هي على أقوال كثيرة، أشهرها ستة أقوال: القول الأول أنها ليلة الحادي والعشرين، والقول الثاني أنها ليلة ثلاث وعشرين، أما القول الثالث فأنها ليلة الخامس والعشرين، والقول الرابع أنها ليلة السابع والعشرين، والقول الخامس أنها ليلة التاسع والعشرين.

ويتابع الداية حديثه: "أما القول السادس الذي أرجحه بأنها متنقلة بين ليالي العشر الأواخر من رمضان، فقد تأتي سنة في ليلة إحدى وعشرين، وفي أخرى ليلة الخامس وعشرين، وفي ثالثة ليلة التاسع والعشرين، وهكذا".

ويوضح أن هذا الأمر يتطلب من المؤمن أن يتحراها في العشر الأواخر كلها، فقد سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: "تَحَرَّوْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِر..."، ويبين أن حكمة إبهامها هو أن يكثر المسلمون اجتهادهم فيها، ويطلبوها في جميع الليالي.

وينصح بأن يجتهد المسلم في كل ليالي العشر الأواخر من رمضان، حتى في حال حدث أي خطأ في تحديد الليالي الوترية يكون بذلك قد أصاب ليلة القدر.

ويذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن الرحمن أخفى علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة، بالصلاة والذكر والدعاء والصدقة، وغيرها من الأعمال الصالحة.

والآن اجتهد بهذه الليالي العظيمة فلا تحرم نفسك أجرها العظيم، وعليك بالدعاء المأثور عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟"، قَالَ: "تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".