يتعيَّن على المجموع الوطني أن يكون أكثر مسؤولية تجاه قرار رئيس السلطة محمود عباس؛ القاضي بتأجيل الانتخابات لأجل غير معروف والذي يعدُّ أحد أبرز الكوارث الوطنية التي يرتكبها عباس ضمن حقبته السوداء، والتي كانت أكثر فترة يتعرض فيها شعبنا لانتكاسات متتالية ومتعاظمة في بُعديها السياسي والوطني والتي ألقت بظلالها على كل شيء لتجرف القضية إلى "مستنقع مخيف" وبالغ الخطر.
فالاكتفاء بالحد الأدنى من الرفض لهذا القرار من خلال: التنديد، والشجب، والاستنكار، والمسيرات الصاخبة، أو الوقفات بأنواعها، أو حتى المقابلات التلفزيونية والإذاعية التي تثير الجمهور، وعلى الرغم من أهميتها فإنها ليست ميدان "الفعل الحقيقي" الذي يخلق التأثير الفعلي، وغالبًا ما يكون أثرها محدودًا في إمكانية التأثير عليه.
ولو كانت مواقف القوى والفصائل كافية لردعه أو حتى إجباره على التراجع وتصويب المسار لاستجاب منذ ما يزيد على 15 عامًا، فكم من الفعاليات التي أُجريت هنا وهناك ولم يُلقِ لها بالًا حتى أصبح أكثر اندفاعًا من ذي قبل في تصعيد ممارساته العدائية ضد شعبنا، سواء من خلال: التفرد بالقرار الوطني، وإقصاء بعض القوى، أو المغامرة في مشروع التسوية، أو تجريم مقاومة شعبنا.
لذلك فإن شعبنا ينظر إلى هذه القوى على أنها هي من "تمتلك الخيارات" جميعها لكنها تحجم عن اتخاذ خطوات ذات (أبعاد إستراتيجية) يمكن أن تغير الوضع القائم، وأنها في كل مرة تبقي الباب مواربًا دون أن تلجأ إلى خطوات بمستويات قصوى، يمكن أن تمس شخص رئيس السلطة والمؤسسة التي يديرها وتدفعه إلى التراجع أو تفقده جزءًا من قدرته وقوته.
وأعني بهذا بحث كل الخيارات المتعلقة "بالبدائل الوطنية" في ظل هذه الكارثة المتجددة التي يتسبب في إنتاجها بصور مختلفة، رجل يتربع على عرش السلطة في ظل فقدانه الشرعية الوطنية والسياسية وتصميمه على تدمير المشروع الوطني، من خلال مغامرات غير محسوبة العواقب.
ويمكن لهذه القوى وبإسناد شعبي أن تعلن ببساطة جملة من الخطوات المهمة التي يمكن أن يكون لها بالغ الأثر في إنهاء المعاناة الحالية، ووقف النزيف الوطني، من خلال توجيه ضربة قاسمة (لكرزاي فلسطين) كما وصفه الراحل ياسر عرفات رحمه الله، لضمان تطويق صلاحياته، والحد من نفوذه، ووقف الضرر المتنامي الذي أصاب القضية الوطنية في ظرف بالغ الحساسية والخطر.
ومن هذه الخيارات المهمة: 1-مطالبته وعبر وثيقة رسمية بالرحيل، 2-الإعلان رسميًّا بأنه فقد شرعيته ولم يعد يمثِّل الشعب الفلسطيني، 3- تشكيل (مجلس إنقاذ وطني) مؤقت تكون ضمن مهامه تمثيل شعبنا وإعادة تفعيل مسار الانتخابات ومعالجة بعض القضايا العاجلة وطنيًّا إلى حين تشكيل حكومة وحدة وطنية، 4_عمل توكيلات خاصة للبدء في محاكمته في المحاكم الوطنية داخل غزة ومن ثم رفع دعاوى أخرى لدى محاكم دولية بتُهم يطول الحديث في تفاصيلها وربما نفرد لها مقالًا.
لكن هذه الخيارات وغيرها مرهونة برغبة القوى والفصائل وبمواقفها السياسية، إذ إنني أجدها حتى الآن مترددة ولا تريد تخطي حاجز الرفض الشكلي، فإذا ما أرادت الذهاب إلى طلاق مع عباس ووضع حد لممارساته غير الأخلاقية بحق شعبنا، فإنها ستقرر حينها الذهاب بعيدًا في مواقفها ضد سلوكه السياسي ومشروعه المتهاوي.
وإن كان غير ذلك فربما تكون لها حسابات أخرى ومنطق مختلف للتعامل مع هذه القضية، وتنفتح مجددًا على مبادرات هي أقرب للمناورات لإنقاذ عباس من ورطته، قد لا يكون الحراك فيها ضمن مبادرات عباسية لكنها قد تنطلق من بعض الأنظمة في المنطقة، والتي تكون لديها رغبة في المحافظة على وجود عباس وفريقه، ومنع أي خطوات حقيقية ضده لأسباب قد يدفع بها الوسطاء العرب بأنها تأتي في سياق إنقاذ القضية الوطنية ومنع تصاعد الخلاف الفلسطيني.
وهذا يعني أن القوى قد أضاعت (فرصة ثمينة) لإجراء معالجة جذرية للوضع القائم، ودخلت أو أدخلت في مرحلة التيه من جديد لتدور في فلك مظلم، خلف سراب لطالما استُدرجت لتدخل في مسالكه، دون أن تحقق سواء الوحدة الوطنية، أو إنجاز المسار الديمقراطي، أو غيره من الملفات، لذلك فالوقت يداهم الجميع والشعب لن يرحم أحد، ومن يتقاعس اليوم عن إيجاد بدائل سيدفع ثمن تقصيره بحق شعبنا.