شكَّل قرار الرئيس محمود عباس بتأجيل الانتخابات الفلسطينية تماهيًا واضحًا مع المطالب الإسرائيلية برفض هذه الانتخابات منذ بدايتها، خشية أن تسفر عن فوز كاسح لحركة حماس، مما يشكل انتكاسة لفريق التسوية، مما سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه عقب الانتخابات السابقة 2006، رغم أن هذا القرار أثار غضب الفلسطينيين، في حين تراقب القيادة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي تطورات الوضع عن كثب.
تتحدث المعطيات الأمنية المتوفرة لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عن توترات شديدة في السلطة الفلسطينية، ويقظة في الجيش الإسرائيلي عقب خطاب أبو مازن، وأعلن فيه تأجيل انتخابات المجلس التشريعي المقرر بعد ثلاثة أسابيع أخرى فقط، مع العلم أن الاتهامات التي وجهها أبو مازن لإسرائيل بأنها لا تسمح للناخبين الفلسطينيين بالتصويت في شرقي القدس، لم تكن مقنعة للفلسطينيين.
القصة الحقيقية لهذا الوضع بدأت في تقديم السلطة الفلسطينية خطابًا لإسرائيل تطلب فيه السماح لـ 6,300 فلسطيني من شرقي القدس بالتصويت في مكاتب البريد، كما في الجولات السابقة، في حين أن (إسرائيل) لم ترد كتابيًّا إطلاقًا على هذا الطلب الفلسطيني، رغم أن أبو مازن يعلم أن الانتخابات ستضع فتح أمام كارثة كبيرة، وقد تأتي في القائمة الرابعة من ناحية الحجم، وباقي القوائم ستأخذ النسبة الأكبر من أصوات الناخبين.
تشير المعطيات الأمنية الإسرائيلية أن أبو مازن خشي فعلًا مما قد يحظى به خصومه من نتائج مخيبة لآماله، سواء حماس أو محمد دحلان أو مروان البرغوثي، لذلك، ومن أجل مواجهة هذا الواقع الخطِر بالنسبة له، فقد أعلن تأجيل الانتخابات، مكتفيًا بتحميل المسئولية لإسرائيل، التي تخشى اندلاع اضطرابات أمنية احتجاجًا على قرار تأجيل الانتخابات.
في الوقت ذاته، فإن خطوة تأجيل الانتخابات تسبب انقسامًا آخر في قيادة فتح، لأن جبريل الرجوب، الذي يصنف نفسه واحدًا من المرشحين لخلافة عباس، بجانب ماجد فرج وحسين الشيخ، يريد الانتخابات، ويدفع لإجرائها، ولا يخفي تطلعاته منها.
كما أن قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي تستعد على الأرض من الناحية الميدانية، بعد خطاب أبو مازن، من أجل فحص جميع الخطابات الواردة من الجانب الفلسطيني، لأنه من الواضح تمامًا أن مثل هذا التحرك منه سيثير حنق حماس، التي تشعر بأنها على وشك الفوز، وبالنسبة لإسرائيل فإن فوز حماس في المجلس التشريعي في الضفة هو كابوس يحظر تحققه.
الخلاصة الإسرائيلية أن هذه الخطوة من أبو مازن تزيد التوترات بالتأكيد في الساحة الفلسطينية، وهو ما تترقب له الأوساط الأمنية الإسرائيلية كثيرًا، التي باتت تعتقد أن أمامها في الأشهر المقبلة جولة من المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.