وأخيرًا أبلغت لجنة الانتخابات المركزية عن توقف عملها في متابعة إجراءات الانتخابات، التوقُّف جاء قبل يوم من بدء الدعاية الانتخابية، وبعد قرار الرئيس عباس بتأجيلها بعد اجتماع الخميس. القرار كان للرئيس ولفتح ولفصائل صغيرة تدور في فلكها. وإذا تعمَّقتَ في قراءة التأجيل وجدتَّه دون سقف زمني محدد، التأجيل لحين التمكُّن من إجرائها في القدس، والسؤال يقول: متى يأتي هذا التمكين؟!
عباس لا يملك إجابة عن زمن التمكين، وفتح كذلك لا تملك الإجابة، وكل من هرب من الانتخابات وساعد في التأجيل لا يملك إجابة عن الموعد القادم، معنى ما تقدم أن التأجيل هو لإشعار آخر. الآخر هذا قد يأتي وقد لا يأتي، وإذا كانت القدس هي التي قررت فهو لن يأتي، لأن (إسرائيل) تزيد كل يوم وكل عام من سيطرتها على القدس، ومن عزل القدس عن محيطها الفلسطيني.
حين قال قادة في مركزية فتح جوابًا على مقترح وضع صناديق اقتراع في الأقصى والقيامة، لا؛ المسألة سياسية وليست مسألة فنية، قلنا إن الانتخابات ستصطدم بحائط التأجيل والغيبة لإشعار آخر. وهنا يجدر بهؤلاء الإجابة الواضحة عن سؤال السياسة الذي يتعلق بالقدس: متى تصبح السلطة ذات قرار سياسي في القدس، كرام الله مثلًا؟! من يملك الإجابة يمكنه التمييز بين السياسي والفني، ومن لا يملك الإجابة فليس من حقه التفريق بين ما هو سياسي وفني في مسألة الانتخابات.
أنت لم تقدِّم طلبًا لدولة (إسرائيل) لإجراء الانتخابات في الضفة وغزة، وقدَّمت لهم طلبًا لإجرائها في القدس، فماذا يعني هذا الطلب بمفهومَيْ الفن والسياسة؟! عباس وفتح يضحكون من الفصائل، وخاصة التي انشقَّت عن فتح، وهم لا يبالون بموقف الشعب، ولا بتداعيات قرار التأجيل الذي وصفته حماس بالخطِر، وبالقفز إلى المجهول.
إذا كانت قضية القدس بهذا التعقيد المعلوم مسبقًا لعباس وفتح، لا سيما بعد قرار ترامب بشأن القدس، فإن تأجيل الانتخابات كان مقررًا قبل الإعلان عن مراسيم إجرائها إذا تبين لفتح أنها خاسرة فيها، وأنها لا تستطيع العمل من خلال قائمة موحدة. كان إصرار فتح على الفوز المضمون سببًا في تعطيل الانتخابات، لأن المضمون لم يعد متوفرًا بعد الانشقاقات، وبعد أن قرر البرغوثي المنافسة على الرئاسة. نعم، الخطر المحدق بمنصب الرئيس كان أشد وقعًا على عباس من خطر تراجع نصيب فتح المركزية في مقاعد التشريعي.
وأخيرًا وليس آخرًا، أستطيع القول: إن الحديث في الانتخابات والتأجيل ومتى نعود إليها يجدر أن يتوقف، ليبدأ الكلّ الفلسطيني في الحديث عن (إصلاح النظام السياسي الفلسطيني)، ومنع تفرُّد الرئيس بالقرار، ومنع احتكار مركزية فتح للقرار الداخلي، ولقرارات منظمة التحرير. هذا طريق طويل، ولكنه يحظى بإجماع وطني، وهو البداية الصحيحة لإنشاء قرارات صحيحة، وصدقت الجهات الفلسطينية التي قالت: الوطني أولًا، ومنظمة التحرير أولًا.