منذ إعلان لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية قبول القوائم الانتخابية ونشرها، تتواصل اعتقالات الاحتلال لبعض المرشحين وترهيب آخرين، في حين لم تكشف الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية -إلى الآن- عن نحو ثلاث حالات إطلاق نار من مجهولين استهدفت مرشحين من قوائم منافسة ومنازلهم.
بهذه الاعتقالات والأجواء المنافية لأي حريات متفق أو مجمع عليها، يهيئ الاحتلال والأجهزة الأمنية للسلطة، الأرضية التي يحتاج إليها قرار إلغاء الانتخابات.
يجب أولًا تسمية الأمور بمسمياتها، فالتأجيل بذريعة رفْض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس، هو قرار بإلغائها رسميًّا، ويجب معرفة أن ذلك لا يعني تصحيح مسببات القرار والعودة بالوضع إلى ما قبل تاريخ إصدار مراسيم الانتخابات، فلا شيء يعود كالسابق، ولن تعود فتح الواحدة، وهذا أحد أهم مكتسبات من يعنيهم عزل وإقصاء مشروع التسوية وفريق أوسلو.
في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، لم ننتظر ردًا من الاحتلال حول إجراء الانتخابات في القدس، لذلك يجب ألا نقبل ولا نسمح أن يحدد الاحتلال كيف يمكن أن نُجري انتخاباتنا في القدس أو غيرها.
إن الوضع الذي مرّت به حركة فتح بعد إصدار المراسيم، من تشتيت قوائم وقرارات بالفصل وإشكالات تنظيمية داخلية، على عكس التنظيم والجهوزية التي ظهرت بها حركة حماس، هو السبب الحقيقي لإلغاء الانتخابات وليس القدس، وهذا يدركه كل فلسطيني ويدركه المجموع الوطني، فلا يوجد أي اتفاق أو حديث بين أي فصيل أو جهة حول التأجيل، بل كله محصورٌ حول كيفية إجراء الانتخابات في القدس.
كما جاءت هبَّة الشباب الثائر بالقدس في توقيتها لنزع كل ذرائع التأجيل، ولتقدّم مفارقة في توقيتها، بين نوعين من الغضب: الغضب الحقيقي الذي يتحوّل إلى ثورة تدوس على السيادة المزعومة لـ(إسرائيل)، وتعيد إنتاج دراما الهروب للمستوطنين وصراخ الجنود، وتعبِّر عن الهوية الفلسطينية، وبين آخر يمثل نفسه أطاع غضبه فأظهر أسوأ ما فيه.
ما يجري في القدس يؤكد الرهان على قدرتنا على فرض الانتخابات في القدس، وتحويلها إلى حالة اشتباك وطني مع الاحتلال، وألا ننتظر إذنًا من أحد، وهذا يحتاج إلى قيادة تتمالك نفسها وتؤمن بهذا المسار، دون أن يدعوها ذلك إلى القلق والتوتر، والاندفاع نحو اتخاذ قرارات عكسية تصل بالحالة الوطنية إلى وضع لا يمكن التراجع فيه عن العواقب.
إن قرارًا بهذا الخطر يعني -ابتداءً- زيادة سطوة رئيس السلطة على الحالة الفلسطينية وتفرّده، وإبقاء هيمنة فتح على النظام السياسي الفلسطيني، بما يعنيه ذلك من انتكاسة للتوافق الوطني، وهذا يعني ضياع فرصة ثمينة لتصحيح هذا العوار.
وهذا الأمر، قد يضفي شرعية بعد الآن على أي دعوات من أي جهة لبحث البدائل الوطنية، التي قد يكون منها أجسام وطنية؛ لإنهاء هيمنة فتح، ومعالجة تآكل شرعية المؤسسات الرسمية.
كما من شأن ذلك أن يزيد احتقان الشارع الفلسطيني الذي اندفع إلى طريق التغيير، وبدا ذلك في نسبة التسجيل وأعداد القوائم المترشحة التي ستقف، بالتأطير أو الصفة التي حظيت بها، إلى الصفّ المقابل لأبو مازن، وسيزيد تعصّبها نحوه، وتنضم إلى المطالبين برحيله، من مبدأ أن مشكلة النظام تأكدت في رأسه.
ولا يوجد ما يستبعد إمكانية أن تهبّ رياح الحراك في القدس نحو مدن الضفة وميادينها الرئيسة؛ تعبيرًا عن رفض الجماهير الفلسطينية هذا الإجحاف، وسرقة كهل ورئيس غير شرعي لتطلعاتهم في التغيير، ونزع أي بقايا لأمل في مستقبل أفضل، واعتقد أن هذا ما يجب أن يحصل؛ كي نمنع محاولة بأيدينا لتشويه صورتنا لدى الخارج في عدم قدرتنا على فرض إرادتنا، وحقّنا في أن نكون ديمقراطيين ومختلفين في المنطقة، ونحن بذلك أمام اختبار جعل أبو مازن لا يتخلّص من خوفه بعد قرار التأجيل، وأن يتحمّل هذه العواقب، وأن يدرك أنه بقراراته العبثية يرفع قيمة الانتخابات الرئاسية والحاجة إليها لدى شعبنا على سواها من الانتخابات الأخرى.