اعتدنا في الزمن الماضي أن يرد الاحتلال الإسرائيلي بدموية شديدة على أي تحرك في الأراضي المحتلة وخاصة في ساحات الأقصى، حيث شهدت تلك البقعة المباركة الكثير من المجازر الاسرائيلية ضد المصلين والمرابطين الفلسطينيين دون أسباب في كثير من الأحيان، أو لأسباب وذرائع واهية لا تعطي المحتل بأي حال من الأحوال الحق في استباحة الدم الفلسطيني فضلًا عن ارتكاب مجازر تقشعر لها الأبدان.
بعد الانتصار الذي حققته المقاومة عام 2014 اختلفت الموازين وصار الاحتلال يحسب حساب المقاومة وردها على كل جريمة يفكر بارتكابها ولذلك انخفضت وتيرة اعتداءاته منذ ذلك الحين حتى مع إطلاق صواريخ ضد كيانه غير الشرعي أو ردًّا على أعمال المقاومة التي تمثلت في مسيرات العودة وكابوس البلالين الحارقة، وانعكس الخوف الاسرائيلي من رد فعل المقاومة على تعامله مع ثورة المقدسيين والمرابطين حيث كان أقل وحشية ودموية عن السابق حتى اللحظة. ولا بد من التأكيد أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية كان نقلة نوعية للمقاومة الفلسطينية التي مركزها قطاع غزة، حيث لم تتوانَ المقاومة عن إطلاق الصواريخ التحذيرية تجاه الكيان الاحتلالي ردًّا على وحشية المستوطنين وجيش الاحتلال ضد المرابطين في القدس، إلى جانب بيانات التحذير الواضحة التي أطلقتها فصائل المقاومة في قطاع غزة وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام، وكذلك إشارات التحذير التي أرسلها المكتب السياسي لحركة حماس إلى العدو الإسرائيلي من التمادي في عدوانه في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن إعلان المقاومة في غزة _قولًا وفعلًا _استعدادها للتدخل نصرة للقدس وبقية المناطق المحتلة يعني نهاية الفصل بين غزة وباقي أراضي السلطة الفلسطينية، ويعني أن السلاح في غزة ليس فقط للدفاع عن غزة وإنما عن كل الأراضي الفلسطينية وهذا الحدث وبهذا الوضوح لم تشهده الأراضي الفلسطينية من قبل، وهذا يدل ويؤكد أن المقاومة الفلسطينية انتقلت من طور الدفاع عن النفس في غزة إلى طور الدفاع عن كل الأراضي المحتلة عام 1967 إذا اقتضت الضرورة وهي قابلة للتطور أكثر من ذلك.
اعتقد أن الكيان الإسرائيلي الآن مشغول في كيفية التعامل مع المعادلة الجديدة التي فرضتها المقاومة في قطاع غزة، وقد يضطر إلى فعل بعض الحماقات تجاه غزة قبل أن يدرك أنها معادلة قوية لا يمكن القفز عنها أو تجاهلها، وكذلك هناك بعض الأطراف الفلسطينية التي تحبِّذ ألا تتدخل المقاومة خشية من عدوان جديد على قطاع غزة، ولكن المقاومة أعلم بمدى قوتها واستعدادها، ونحن أيضًا نعلم أن غزة قبل 2014 ليست هي ذاتها بعدها، حيث تعرضت غزة خلال سبع سنوات حتى 2014 لثلاث حروب ولكنها لم تتعرض لأي عدوان خلال سبع سنوات بعدها وهذا يعني أن العدو نفسه أدرك مدى قوة المقاومة، وأن المقاومة نفسها تدرك إلى أين هي ذاهبة وخاصة أنها تدافع عن الشعب الفلسطيني ودماء أبنائه ومقدساته.