اختراق حرمة السبت ليس هيناً على الإسرائيليين، فقد سبق أن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن عقد أي لقاء في كامب ديفيد مع الرئيس المصري أنور السادات، فقدسية يوم السبت عند اليهود لا تُخترق إلا لأمر عسير، وهذا ما تحقق يوم أمس، حين عقدت القيادة الإسرائيلية اجتماعها في تل أبيب يوم السبت، لمناقشة التطورات الميدانية في محيط غزة، فاختراق السبت يؤكد أن القيادة الإسرائيلية قد أخذت تهديدات رجال غزة على محمل الجد، وهذا بحد ذاته نصر لغزة، ورسالة قوة إلى الأهل في القدس، رسالة تقول: إن غزة بسلاحها ورجالها ومصيرها جاهزة لفداء القدس، ومستعدة للتضحية من أجل المقدسات، وهذا مضمون رسالة غزة التي أدركتها القيادة الإسرائيلية، وهذا ما فرض على رئيس الأركان كوخافي تأجيل زيارته لأمريكا، على الرغم من أهمية الزيارة، والاستعدادات المسبقة لمناقشة المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية، فيما يتعلق بالمفاعل النووي الإيراني.
الانتصار للقدس قد يدخل الفرج إلى صدور المقدسيين، ويشد من أزرهم، ويعزز صمودهم، لا سيما أنهم استنجدوا بغزة، وهتفوا لها، فاستجابت لهم، ونادوا عليها بالاسم، فلبت غزة النداء، فأهل القدس دون مقاومة غزة فقراء، وأهل غزة دون نصرة أهل رام الله ضعفاء، وأهل رام الله دون نابلس عراة، ونابلس بحاجة إلى القدس وأريحا، وسلفيت تنتظر دعم بيت لحم، وبيت جالا تنافس الخليل وحلحول ودورا في التضحية، والجميع ينادي على الجليل والمثلث والنقب.
الانتصار الفلسطيني للقدس هو الانتصار لمستقبل الأجيال، فلا فلسطين دون القدس، ولا قدس دون المقدسين الذين يقومون بواجبهم الديني والوطني، وهم يتصدون للمحتلين بصدورهم وإرادتهم، وهم يشعلون شرارة الانتفاضة والمواجهة من جديد، إنها القدس التي تعودت أن تحرك الانتفاضات، وأن تشعل القلوب إرادة، ويكفي للتذكير أن حرب 2014 التي استمرت لمدة 51 يوماً كانت نصرة للقدس، وكانت استجابة لصرخة القدس، ولا فخر لغزة في ذلك، وهي تشيد بتضحيات أبنائها جسر العبور إلى الكرامة والصمود.
غزة على خندق المواجهة مع القدس، هذا عهدُ غرفة العمليات المشتركة، عهدٌ ألّا نخذل القدس، ولا نتركها وحيدة بين مخالب المتطرفين اليهود، أولئك الذين يحرضهم حقدهم على العرب والمسلمين، وراحوا يهتفون: الموت للعرب، ولم يهتف المتطرفون اليهود: الموت للمقدسيين، ولا الموت للفلسطينيين، بل هتفوا: الموت للعرب، وفي ذلك رسالة إلى الأمة العربية والإسلامية، بأن القدس تدافع عن مستقبل الأمة العربية، وأن غزة حين تقاتل بدمها، فإنها تصد الهجوم الصهيوني عن مقدرات الأمة التي بات الصهاينة يطمعون في تكسير عظمها.
ستظل القدس قائدة المرحلة، وصاحبة الرسالة بأننا قادرون، وأن الانتخابات التشريعية يفرضها أهل القدس، وأنهم ليسوا بحاجة إلى الموافقة الإسرائيلية، فالرجال يفرضون إرادتهم على عدوهم، ولا ينتظرون الرحمة من عدوهم، ومن العار ترك العدو يقرر الموافقة أو الرفض لإجراء الانتخابات في القدس، لا سيما بعد أن قرر أهل القدس أنهم قادرون على إجراء الانتخابات التشريعية بطريقتهم الخاصة رغم أنف الاحتلال.