تعلو أصوات عديدة في رمضان بأننا رمضانيو النزعة، نعود إلى الله، ونتراجع بسفره وانقضائه، ليتكرر المشهد في كل عام.
أحبتي، رمضان موسم ينبغي أن يُستقبل باختلاف، وجميل أن نكون رمضانيين، مختلفين، ومتميزين فيه، فهو محطة لإعادة البناء وترميم النفس واستعادة توازنها بعد أن أعيتنا الحياة بزيفها واللهث خلف عطاءاتها.
فكيف لا نكون رمضانيين في رمضان؟ ولمَ لا نستثمر لحظاته وأنفاسه الطاهرة؟ فرمضان ليس فرصة لجلد ذات وبكاء على أطلال، وتعذيب أرواح، فوالله رمضان ما جاء من أجل ذلك، فلا وقت للعتاب والجدال ولا وقت لننكأ جراح الماضي وتقصير الأمس وذنوب البارحة، تعالوا بنا لنركب قطار رمضان عبر محطاته الثلاثين، تعالوا لنكون رمضانيين حقًّا نشبع حاجاتنا ونغذي أرواحنا ونقيم شرعنا ونجسد العطاء والسخاء، وننهل من بركات رمضان ونقترب من ربنا (تبارك وتعالى).
رمضان محطة تصحيح مسار وتوجيه بوصلة نحو معرفة الله، فرمضان يتوسل أن نكون منتمين له بامتياز، رمضانيين حتى النخاع، فهو فرصة ومنحة، كرم من الرب وعطاء، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر؛ فكيف أكون رمضانيًّا في تلكم الليلة وكل لياليه؟
كفى جلد ذواتنا والوقوف طويلًا على محطات العتاب والملامة؛ فكلنا مقصر، فتعالوا لنكون رمضانيين لنجبر الكسر ونداوي الجراح، نستلهم منه العبر والعظات، ونجعله محطة تقديم طاعات، ولنستمر بعد رمضان.
فكن رمضانيًّا في كل حياتك وفي كل تفاصيلك، وتجنب جلد ذاتك والإفراط في معاتبتها، وغرد لتجمل روحك، وسافر لتعاتبها برفق وحنو ودفء.
جميل أن نعاتب ذواتنا بحب وكأننا نمسح على روحنا بيد العطف والرأفة لنعيدها إلى مربع الطاعة والانضباط، ولنحثها على أن تكون متماسكة للعطاء والبذل عاشقة.
كل ابن آدم خطّاء وخيرنا التواب؛ فلطفًا بنفس تحمل لواء شفائك ولقاح وقايتك، فمن يداوي نفسك سواها؟! لكن بحبٍّ وطيبة، واختر لها أجمل الكلمات واحضنها بدفء وهدوء، وأخرجها من حالة الحزن ولا تدع الوجع يستمر طويلًا ، فعاتب واهرب سريعًا من عالم الألم ودوائره، استحضر أجمل ما فيك وعاتب بمودة، واعلم -يا صديقي- أن حياتنا قاسية وظروفنا صعبة ومحطاتنا مؤلمة، فعليك أن تسافر إلى هناك حيث إشراقة الصباح وتغريد طيورها والزعفران نابت في قلوبها، هناك حيث الأمل في وجه الله يتجلى ويضيء الأرض بنوره.
ولا تنسَ -يا صديقي- أن مواسم العطاء وإنعاش الروح والانطلاق من جديد بمعية الرحمن ضرورية وحتمية لاستمرار المسير، فرفقًا بروح هي رفيقة مشوارك وعنوانه.