فلسطين أون لاين

ملحمة اليرموك: هل حمل خالد آنذاك سيفًا من السماء؟!

"والله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد" أبو بكر الصديق

معركة محفورة في تاريخنا بماء الذهب، وفي أعمق أعماق ذاكرتنا، من أهم المعارك التي خاضتها الدولة الإسلامية؛ فهي بداية المدّ للفتوحات الإسلامية وانتصارات المسلمين خارج جزيرة العرب، وطريق تقدم الإسلام في بلاد الشام والعراق.

كانت بلاد الشام تخضع للدولة البيزنطية (الروم) حين سير أبو بكر الصديق أربعة جيوش لفتحها ونشر الإسلام فيها، ليتشتت الروم بأعدادهم الضخمة بين الجيوش المسلمة؛ فيسهل الانتصار عليهم، وقد جرت معارك كثيرة وتكبدوا فعلًا خسائر ضخمة في معاركهم مع المسلمين، فقرر هرقل حشد جيوشه من أرجاء الدولة البيزنطية لوقف المد الإسلامي المتعاظم في أراضي الشام، وشرع يجمع جنده في حوض اليرموك.

أصدر أبو بكر أوامره لخالد بن الوليد بأن يترك العراق وينضم لجيش الشام، ويتسلم القيادة من أبي عبيدة بن الجراح.

المكان: وادي اليرموك، النهر الذي ينبع من جبال حوران جنوب سوريا، ويصب في نهر الأردن جنوب بحيرة الحولة.

عسكر جيش الروم في وادي سحيق تحيطه جبال شاهقة من جهات ثلاث، والجهة الرابعة يغلقها جريان نهر اليرموك فأصبحوا وكأنهم داخل خندق، أما المسلمون فضربوا معسكرهم في وادٍ مستوٍ على الطريق المفتوح لجيش الروم إلى يمين نهر اليرموك، وبذلك حاصروهم وأغلقوا الطريق أمامهم، فلم يعد لهم طريق يسلكونه إذا اضطروا إلى الفرار.

الزمان: بعد وفاة الرسول، سنة 13ه.

أطراف الصراع: المسلمون بقيادة خالد بن الوليد في 36-40 ألف مقاتل، والروم بأعداد ضخمة وصلت إلى 240 ألف مقاتل تقريبًا بقيادة باهان.

  • خالد بن الوليد الجيش الإسلامي إلى (36-40) كردوسًا، كل كردوس فيه 1000 مقاتل، قسمها إلى قلب وميمنة وميسرة وجعل على كل منها أميرًا، أبو عبيدة عامر بن الجراح يقود كراديس القلب، وعمرو بن العاص يقود كراديس الميمنة، ويزيد بن أبي سفيان يقود كراديس الميسرة.

حتى إذا شوهد جيش المسلمين من بعيد؛ ظنَّ الناظر أن أعدادهم أضعاف عددهم الحقيقي، وجعل النساء في الخلف مسلحات بسيوفهن، وأصدر لهنَّ أوامره أن يقتلن من يحاول الفرار من أرض المعركة من المسلمين، بعد أن داخله شك في حديثي العهد بالإسلام أنه قد يصيبهم الرعب من أعداد الروم الضخمة فيولون الفرار.

قرأ المسلمون الأنفال وآيات الجهاد، وعلى الرغم من عددهم القليل شدُّوا على الروم جندًا وقادة شدَّة رجل واحد، كرًّا وفرًّا بجرأة منقطعة النظير، وشجاعة نادرة استمدوها من إيمانهم بالله وثقتهم المطلقة بنصره، فالنصر يأتي من الإيمان بالمعتقد لا من العدة والعتاد والعدد.

كثيرون من صحابة رسول الله بايعوا على الموت؛ فقاتلوا ببسالة عجيبة حتى قُتلوا، ومن عاد منهم كان مثخنًا بجراح عميقة، وأصاب جيش الروم اضطرابٌ ورعبٌ، ويقال إن جند الروم سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة بسلسلة واحدة لئلا يفروا، فلما هُزموا كان الواحد منهم يقع في نهر اليرموك فيجذب من معه في السلسلة، حتى ردموا الوادي واستووا بحافتيه، وخلق كثير منهم داستهم الخيول وهلكوا.

أسلم في أثناء المعركة جرجة أحد قادة الجيش البيزنطي بعد أن خرج لمبارزة خالد، وسأل خالد حين رأى من شجاعته وذكائه العسكري ما لا يصُدق: "هل تُقاتل بسيف من السماء؟!".

قُتل عشرات الآلاف من الروم، وأُسر الآلاف، قرر قيصر الروم هرقل أن يهرب نحو القسطنطينية، عاصمة البيزنطيين، وكان يعرف أن المسلمين على الحق، فإذا فتحوا أرض الشام وحرروها من براثنه فلن تعود إلى سلطانه أبدًا، ولكنه الصلف والتكبر والظّنُّ بالملك وحب الذات ما منعه من الهداية.

توفي أبو بكر الصديق والمعركة على أشدها في حوض اليرموك، فأرسل عمر بن الخطاب الذي بويع بالخلافة كتابًا يعزل خالد عن قيادة الجيوش، ولكن خالد أخفى الخبر حتى ضمن نصر المسلمين ثم انضم جنديًّا بعدها تحت قيادة أبي عبيد بن الجراح؛ فنصر الإسلام هو الهدف، وليس تحقيق المكاسب الشخصية.