يفترض هذا المقال أن السيد محمود عباس والفريق المحيط به يُخططون لتأجيل أو إلغاء انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، المُتفق وطنيًّا على إجرائها بتاريخ 22/5/2021، وبالطبع فإن هذا الافتراض لا يعني انعدام احتمالية إجراء الانتخابات، ولا تعني أن الكاتب يؤيد تأجيل الانتخابات، لكنه يحاول استكشاف ما يمكن أن يحدث فيما لو أُجِّلت الانتخابات.
تجدر الإشارة إلى أن عملية التأجيل ليست سهلة، والطريقة التي ستتم بها عملية التأجيل، سيكون لها تأثير كبير على ما سيأتي بعدها، ويمكن القول إن عملية التأجيل قد تتخذ واحدًا من مجموعة أشكال.
الشكل الأول: يتمثل في أن يأتي التأجيل من جانب (إسرائيل) إذا أقدمت على اعتقال أعداد كبيرة من المرشحين في القوائم الانتخابية، وبالتالي سيتعذر إجراء الانتخابات، أو إعلان (إسرائيل) منع إجراء الانتخابات في القدس. إذا أقدمت (إسرائيل) على هذين الأمرين، فإن إعلان تأجيل الانتخابات من جانب السيد محمود عباس سيمر بشيء من السلاسة، وسيكون الاعتراض عليه بسيطًا، ويمكن أن يتم تغطيته بديباجات كفاحية من جانب أبو مازن، وهذا سيساعده على مواصلة ادعاء امتلاكه للشرعية الوطنية، وسيكرر دعواته الخالية من المضمون للوحدة على الأرض ومواجهة الاحتلال، وربما يعود إلى الحديث عن أسطوانة المصالحة المشروخة.
الشكل الثاني: وهو ما يحاول الوصول إليه ويتمثل في الحصول على غطاء أمريكي لتراجعه عن الانتخابات، وهو في هذه الحالة يريد المساعدة الأمريكية في تفادي أي ضغوط أوروبية تتعلق بخفض أو وقف المساعدات المالية المقدمة للسلطة، لكن الإدارة الأمريكية، ورغم ما أبدته من تفهم لتخوفات عباس المتعلقة بخسارته الانتخابات، إلا أنها لم تُعطِه حتى اللحظة هذا الغطاء.
الشكل الثالث: ويتمثل في الحصول على توافق وطني، أو على الأقل توافق مع حركة حماس لتأجيل الانتخابات، وقد برزت مجموعة من المؤشرات أكد فيها مقربون من السيد محمود عباس بأن التأجيل لن يتم إلا من خلال توافق وطني، وفي الأيام العشرة الأخيرة حدثت لقاءات جمعت عدد من فصائل منظمة التحرير، وتم التطرق إعلاميًّا لشعار (لا انتخابات بدون القدس)، وهو إشارة إلى اتفاق حركة فتح مع الفصائل الصغيرة في منظمة التحرير على موضوع التأجيل، لكن عباس يرغب في الحصول على إجماع وطني على تأجيل الانتخابات، وإذا حصل على هذا الإجماع أو التوافق، سيكون قد تفادى الاحتجاجات ضده، وسيضمن استمرار شرعيته الوطنية، لكنه قد يكون بحاجة لدفع أثمان على صعيد المصالحة والحريات ورفع العقوبات عن غزة، وغيرها.
الشكل الرابع: وهو الخيار الأخير أمام محمود عباس، ويتمثل في التذرع برفض (إسرائيل) إعطاء موافقة على إجراء الانتخابات في القدس، إضافة إلى تفشي الوباء تفشيًا كبيرًا في الضفة وغزة، ومن ثم يقوم بإصدار مرسوم بقانون استنادًا إلى المادة 43 من القانون الأساسي، يؤجل فيه إجراء الانتخابات إلى ظروف أخرى أكثر ملاءمة.
إذا أخرج السيد محمود عباس عملية التأجيل بهذه الطريقة فسيكون أمام غضب واسع من القوى السياسية، ومن الرأي العام، لكنه قد يقرر احتمال هذا الغضب باعتبار أنه سيستمر أسبوع أو أسبوعين، ويمكن التعامل معه بتكتيكات مختلفة مثل إعادة الطوشة مع حماس إلى السطح، أو الدعوة إلى الوحدة الوطنية وتفعيل المقاومة الشعبية، أو المصالحة، ولن يعجز عن ضخ الكثير من المقولات التي ستُربك المشهد العام، وتستنزف أعصاب الناس، لكي يوصلها في النهاية إلى القول: (يعني إيش كنا راح نستفيد من الانتخابات).
يجب أن نتذكر هدف السيد محمود عباس من إجراء الانتخابات، هو (تجديد الشرعيات)، بمعنى تجديد قبول الناس به وبفريقه فترة إضافية في الحكم، لتمكينه من الحكم بارتياح في الداخل، ولكي يستمر في تلقِّي المساعدات من الخارج باسم الشعب الفلسطيني، ولم يكن هدفه بحال من الأحوال السماح للإرادة الشعبية بالتعبير عن نفسها، وبناءً عليه فلن يذهب إلى انتخابات لا تحقِّق أهدافه، وهذا يوجب على كل القوى الحية والفاعلة والراغبة في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس سليمة، يتوجب على هذه القوى ألا تنزل عن جبل الانتخابات قبل أن تُحقق الأهداف الوطنية المتوخاة من وراء إجراء الانتخابات، والمتمثلة في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، بمؤسساته وقياداته وبرنامجه الوطني، استنادًا إلى عقد اجتماعي جديد يُلملم ما انفرط في سنوات حكم محمود عباس، وتتموضع في صلبه قضايا الإجماع وإستراتيجيات وتكتيكات العمل، والحقوق والواجبات، وطريقة الوصول للقيادة، ومن ثم تداولها.
لقد أظهر الإقبال على التسجيل والترشُّح في الانتخابات رغبة شعبية عارمة في التغيير، ولهذا يجب ألا تتوقف جهود إحداث التغيير المطلوب وطنيًّا، ويتمثل في:
أولاً/ اتفاق القوى الرئيسة المتمثلة في (حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية) وبالتنسيق الكامل مع القوائم الانتخابية الوازنة، خاصة قائمة البرغوثي، على سحب الشرعية من حكم محمود عباس والفريق المحيط به، واعتباره مُغتصِبًا السلطة.
ثانيًا: اتخاذ قرار من القوى، المذكورة أعلاه، بحصر مهمة السلطة في المجالات الإدارية والاقتصادية والخدماتية والشُرطية، ومنعها اتخاذ قرارات تتعلق بالشأن السياسي الفلسطيني.
ثالثًا: تشكيل إطار قيادي وطني يتكون من القوى المذكورة أعلاه للعمل المشترك في تفعيل كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يكون عنوان هذه الموجة الجديدة من المقاومة هو (تحرير القدس)، التي أظهرت تفاعلات مرحلة الاستعداد للانتخابات مدى حرص الاحتلال على شطب هويتها الفلسطينية.
رابعًا: تشكيل وفد من القوى المذكورة أعلاه للتفاوض الجماعي مع حركة فتح وحلفائها، بحيث يكون هدف المفاوضات هو إنهاء هيمنة الطبقة السياسية (محمود عباس وفريقه) على النظام السياسي الفلسطيني من خلال إجراءات واضحة وصريحة ومُجدولة زمنيًّا.
خامسًا: إذا رفضت الطبقة السياسية الفتحاوية التوصُّل إلى اتفاق مع الفصائل من خلال التفاوض، لا بد من بدء مرحلة جديدة من الضغط الشعبي المتواصل على هذه الطبقة القيادية تنتهي بإنهاء هيمنتها على النظام السياسي الفلسطيني.
إن قبول الطبقة السياسية المهيمنة على الحكم في السلطة إفساح المجال لشراكة حقيقية مسألة ليست سهلة، ولن تسمح هذه الطبقة للتغيير أن يمر من خلال الانتخابات، وستُقاتل من أجل البقاء بكل ما أوتيت من قوة، ولن تُقدم أي تنازلات إلا من خلال اصطفاف وحدوي يجمع كل قوى التغيير، وممارسة كفاح سلمي عقلاني، لكنه جذري وإدراكي ومثابر.