تعيش الأوساط الأمنية والسياسية والعسكرية الإسرائيلية عاصفة كبيرة، عقب ما أعلنه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، عن "شبه التبنِّي" لمهاجمة مفاعل نطنز النووي الإيراني، واعتبار ذلك خرقًا لمبدأ السرية والغموض الذي وجّه كل العمليات الإسرائيلية، ما دفع وزير الحرب بيني غانتس إلى الإعلان أن التسريبات لم تأتِ من مكتبه، أو من الجيش، ومن المتوقع أن يأمر بفتح تحقيق في تسريب هذه التقارير، لأن المؤسسة العسكرية غير معتادة هذا الكشف، وما حصل مخالف لسياسة الغموض، وقد يدفع طهران إلى أن تعلن الانتقام من (إسرائيل).
يعتقد الإسرائيليون أن مهاجمة منشأة نطنز لن تخرّب المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، رغم أن المستوى السياسي في تل أبيب أحدث تغييرًا في سياسته التفسيرية والتصريحية في السنوات الأخيرة، وهذه السياسة يقودها رئيس الوزراء، الذي تحدَّث بشكل لا لبس فيه، لذلك من الواضح أن في هذا الشأن سياسة جديدة، لأنه منذ وقت ليس ببعيد لم تكن نشاطات تحملت (إسرائيل) مسؤوليتها، وهذه التسريبات من شأنها أن تحدّ قدرة (إسرائيل) على إدارة سياسة هجومية نشطة، ليس ذلك فقط، بل أيضًا المحادثات السرية التي قد تخوضها في ظل الظروف التي تطرأ بين حين وآخر.
فيما يصعب على أي منا عدم الربط بين الاستهدافات الإسرائيلية المتزايدة للمنشآت والسفن الإيرانية بمعزل عن المباحثات النووية الجارية في فيينا بين إيران والقوى العظمى، وتل أبيب لا تخفي انزعاجها من هذه المفاوضات لأنها سينجم عنها اتفاق نووي جديد على صيغة 2015، يمنح طهران مزيدًا من الأريحية والوقت، ويرفع عنها العقوبات الدولية.
التفاصيل القادمة من الخليج العربي والبحرين الأحمر والمتوسط، باتت مثيرة للاهتمام، ومهمة بنفس القدر، فالباخرة الإيرانية التي تعرضت للقصف هي قاعدة بحرية عائمة للحرس الثوري قبالة سواحل اليمن وجيبوتي، وتعمل في البحر الأحمر بالتنسيق مع الجهات الدولية، وهي عامل دعم لوجستي لإيران، بما يخدم مصالحها.
هذه السفينة توفّر من خلال القوارب السريعة على متنها، وإبحار أفراد الحرس الثوري بها، الحماية لناقلات النفط الإيرانية، أو سفن أسلحتها المبحرة عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر لتهريب حمولتها إلى سوريا ولبنان، ويعلم الإيرانيون أن الأمريكيين و(إسرائيل) موجودون في المنطقة، لذلك يؤمّنون سفنهم باستخدام السفن السريعة.
لا يتردد الإسرائيليون في الإشارة إلى أنهم اليوم في أسوأ وضع دبلوماسي، بخاصة بسبب علاقات نتنياهو الضعيفة مع الإدارة الأمريكية الحالية، لكن عمليتهم العسكرية على بعد آلاف من أميالها البحرية مسألة لافتة، وهذه الحرب البحرية قد تتصاعد، وتنطوي على مخاطر قليلة، لأن عطلاً واحداً يكفي لإغراق سفينة إيرانية أو إسرائيلية، ثم يمكن أن تتصاعد المواجهة السرية إلى صراع مفتوح.