ما إن تبدأ ساعات الصباح في قرية جبل المكبر شرق مدينة القدس المحتلة، حتى يبدأ أمجد جعابيص في إكمال هدم أجزاء من بيته تطبيقًا لقرار محكمة إسرائيلية.
يمضي جعابيص (39 عامًا) ساعات طويلة في تنفيذ عمليات الهدم بعدما أخطرته بلدية الاحتلال أول من أمس بعملية الهدم، واضطر بنفسه إلى تنفيذها متحمّلًا المشقة المتراكمة حتى خلال ساعات الصيام.
وفي غضون أسبوعين من إخطاره، يتوجب عليه إتمام عملية الهدم كاملة كي لا تأتي جرافات الاحتلال تنفذها وتفرض عليه أعباء جديدة.
أعباء الهدم
وقال أمجد لصحيفة "فلسطين": إنه مضطر لهدم بيته كي لا يتحمل تكاليف الهدم والغرامة المالية المترتبة على ذلك، بمجموع يصل إلى ما يزيد على 75 ألف شيقل، إذا نفَّذ الاحتلال عملية الهدم بنفسه.
وتعكس مأساة جعابيص حال عائلات مقدسية عديدة لجأت إلى هدم بيتها ذاتيًا بعد إخطارها من سلطات الاحتلال بذريعة البناء دون ترخيص.
وكان جعابيص قد لجأ في الأسابيع الأخيرة إلى تخصيص مساحة من أرض العائلة لنجله مُسلِم البالغ (20 عامًا)، وبدأ البناء فيها استعدادًا لتجهيز بيت مستقبلي خاصًا به يتزوج فيه متى شاء، غير أن سلطات الاحتلال لم تسمح بتحقيق أمنية الشاب وعائلته، كما يقول والده.
وهذه ليست أول عملية هدم تجبر سلطات الاحتلال عائلة جعابيص عليها، إذ إنه قبل أقل من سنة من الآن جاءت فرق بلدية الاحتلال مدعومة بقوات مدججة وهدمت جزءًا من المنزل وصادرت 70 مترًا مربعًا من مساحة الأرض التابعة للبيت من أجل توسعة ما يسمى الشارع الأمريكي.
ويقول جعابيص إنه لجأ إلى البناء في حدود بيته نتيجة عدم منحه التراخيص اللازمة من مؤسسات الاحتلال ومحاكمه، والتي قد يلزم استصدارها من مؤسسات الاحتلال في القدس فترات طويلة قد تصل لسنوات، وغالبًا ما تتوج في النهاية بالرفض.
وتتخذ سلطات الاحتلال من عمليات الهدم الذاتي نوعًا من العقاب ضد أهالي القدس المحتلة، إذ إنها تلجأ إلى عدم منح تراخيص البناء، وذلك ضمن سلسلة انتهاكات ممنهجة تهدف إلى تهويد القدس وتشريد أهلها، كما يرى مراقبون.
تهجير وطرد
وقال الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب: إن سلطات الاحتلال ممثلة ببلدية الاحتلال والأذرع الأمنية والعسكرية، تستخدم ذريعة عدم وجود ترخيص بناء وسيلة لهدم المنازل الفلسطينية، "فهي لا تمنحهم تراخيص بناء، وفي الوقت نفسه تمنحها للمستوطنين اليهود لبناء البيوت والمشاريع والمؤسسات الاستيطانية في القدس".
وأضاف أبو دياب لصحيفة "فلسطين" أن ما تقوم به سلطات الاحتلال وسيلة لتهجير وطرد الأهالي من مدينة القدس مقابل زيادة أعداد المستوطنين بما يُحدِث خللًا واضحًا في التوازن الديمغرافي لصالح اليهود.
وأكد أن سلطات الاحتلال تنفِّذ عملية تطهير عرقي في مدينة القدس، عادًّا أن عمليات الهدم تسبب معاناة مضاعفة تستمر سنوات طويلة بالنسبة لضحايا الانتهاكات الإسرائيلية.
وإذ يشير إلى إدراك سلطات الاحتلال أن انتهاكاتها مخالفة للقوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، إلا أنه بسبب عدم وجود رادع حقيقي للاحتلال، فهو مستمر في جرائمه ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وخاصة القدس.
وذكر أبو دياب أن مدينة القدس لم تشهد هجمة لتغيير الواقع فيها وكذلك طابعها وتهجير سكانها، كالهجمة التي مرت بها خلال السنوات الأخيرة، خاصة خلال تولي دونالد ترامب صاحب "صفقة القرن" رئاسة الإدارة الأمريكية السابقة، وما رافق ذلك من دعم كبير لـ(إسرائيل) حتى وصل الأمر إلى إعلان القدس عاصمة لها نهاية 2017.
وبيَّن أن حكومة الاحتلال استغلت دعم إدارة ترامب، ونفَّذت العديد من مشاريع الاستيطان والتهويد والهدم وحفر الأنفاق في القدس، بنسبة تفوق 250 بالمئة عن المراحل السابقة.
"دولة هَدِم"
وقال مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد حموري: إن ما يجري في القدس من انتهاكات وخاصة عمليات الهدم، يثبت أن (إسرائيل) دولة قامت على هدم المنازل والقرى الفلسطينية وتشريد أهلها، ولا تزال هذه السياسة مستمرة منذ 1948 حتى يومنا.
وبيَّن حموري خلال حديثه مع "فلسطين" أن أوامر وقرارات الهدم لا تنحصر في مدينة القدس فقط والتي يريد الاحتلال هدم 23 ألف منزل في مناطق متفرقة منها، بل إن الأمر يمتد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نكبة 48، بمجموع يصل إلى 60 ألف أمر هدم موزعة في مناطق مختلفة وذلك لدواعٍ وحجج متعددة.
ولفت إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب لدى أهالي القدس، يجبرهم على اللجوء إلى هدم منازلهم بأيديهم، عادًّا أن ذلك أسوأ ظاهرة أو عقاب ممكن أن يمر به الإنسان على هذا الكوكب.
وأشار حموري إلى أن عمليات الهدم الذاتي لا تتوقف تداعياتها على صاحب البيت، بل إن الأمر يطال أفراد أسرته أيضًا، إذ إنها تترك تداعيات خطِرة على الظروف الاجتماعية للعائلة وخاصة فئة الأطفال والنساء.
وأكد أن الظروف الاقتصادية السيئة هي من تدفع نسبة عالية من المواطنين في القدس إلى هدم منازلهم بأيديهم ممن يتلقون إخطارات هدم، مرجعًا ذلك إلى سياسات وانتهاكات الاحتلال في المدينة التي أصبح 80 بالمئة من أهلها المقدسيين تحت خط الفقر.
وبيَّن حموري أن (إسرائيل) هدمت قرابة 5 آلاف بيت في القدس منذ سنة 1967.
ودائمًا ما تلقى عمليات الهدم في القدس ردود فعل فلسطينية ودولية رافضة لاستمرار الاحتلال في انتهاكاته بحق المقدسيين وكذلك في الأراضي المحتلة، إذ يلجأ جيش الاحتلال أحيانًا إلى هدم قرى بأكملها كما يحدث مع العراقيب في النقب جنوبي فلسطين التاريخية.