فلسطين أون لاين

فتح مكة.. الطريق من الاستضعاف إلى التمكين

فتح مكة المكرمة -ويُسمَّى أيضًا الفتح الأعظم- حدث فاصل في تاريخ أمة الإسلام، أعز الله به دينه وأذل أعداءه، دخل الناس من أهل مكة في إثره في دين الله أفواجًا، وتغيرت المعادلة السابقة، فبعد أن خرج المسلمون ونبي الله جماعات متفرقة سرًّا من مكة مهاجرين إلى المدينة فرارًا بدينهم، عادوا إليها أعزة مكرمين، لم تستطع قريش الوقوف في وجوههم، بل سابق سادتها بقية الناس في الاحتماء من جحافل الإسلام التي أقبلت فاتحة في بيوتهم ودار أبي سفيان والمسجد الحرام، وفُتحت مكة سلمًا من دون دماء، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ الدولة الإسلامية أصبحت فيها مُهابة تمتلك زمام أمرها، فما من شيء يرد اعتبار الشخص وكرامته ويعلي شأنه أكثر من الجهاد وقتال الأعداء، وبذل الروح رخيصة في سبيل الله.

"واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ" كانت هذه آخر كلمات رسول الله لمكة وهو يغادرها مهاجرًا إلى المدينة أول معاقل الإسلام بعد أن حورب فيها، 8 سنوات غاب فيها الرسول الكريم عن مكة قبل أن يعود إليها فاتحًا.

الزمان: العاشر من رمضان السنة الثامنة للهجرة.

المكان: مكة المكرمة.

أطراف الصراع: 12 ألف جندي من المسلمين.

السبب: عُقد صلح الحديبية الذي ينظِّم العلاقة بين المسلمين والمشركين لعشر سنوات في السنة السادسة للهجرة، وفي إثره دخلت قبيلة خزاعة في عهد المسلمين، ودخلت قبيلة بكر في عهد قريش، ولكن قريش انتهكت الهدنةَ التي كانت بينها وبين المسلمين ونقضت العهد حين أعانت قبيلة بني بكر على قتال خزاعة، وكانت هاتان القبيلتان في حروب مستمرة وبينهما ثارات.

لما بلغ النبي ما حدث؛ أمر المسلمين بالاستعداد للخروج إلى مكة، وأوصى بكتمان الأمر لمباغتة قريش.

أدركت قريش بعد ذلك كارثية ما أقدمت عليه، فسارع زعيمها أبو سفيان إلى المدينة لرتق الخرق وتجديد الصلح مع الرسول، ولكنه وجد أن الفرصة قد فاتت وانتهى الأمر.

سير الأحداث:

خرج الرسول لفتح مكة بجيش من المهاجرين والأنصار والقبائل المسلمة حول المدينة قوامه 12 ألف جندي، ووزع الجيش إلى ثلاثة أقسام، وأمَّر خالد بن الوليد والزبير بن العوام (حاملًا راية النبي) وأبا عبيدة بن الجراح على الفرق، ووجَّه الرسول أمراءَ الجيش الثلاثة بألا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وأمرهم أن يضيئوا المشاعل ليلًا ليرعبوا أهل مكة ويُقعدوهم عن القتال.

وصلوا مكة، ومرَّت كتائبهم من أمام أبي سفيان، فأدرك عِظم أمر الإسلام ومدى قوته، فثار الرعب في نفسه، وبات واثقًا في خسارة قريش أمامهم.

دخل المسلمون مكة فاتحين رافعي الرؤوس، وهم الذين خرجوا منها خفية مضطهدين يفرون بدينهم وأنفسهم.

لم يجرِ قتال سوى ما كان من بعض رجال عكرمة بن أبي جهل الذين قاتلهم خالد وفرقته، وقُتل أفراد قلائل من الجانبين، وانتهى الأمر بفرار فلولهم إلى بيوتهم للحفاظ على أرواحهم.

نزل الرسول بمكة وطاف في الكعبة، وأخذ يطعن الأصنام بقوسه فتخر ساقطة على وجوهها، قائلًا: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"، وأمر بالصور والأنصاب والأزلام فكسرت، وعفا عن أهل مكة بعد أن سألهم: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟

فقالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم!

فقال: اذهبوا؛ فأنتم الطلقاء.

ولما حانت الصلاة أمر بلال بن رباح -وهو الذي عُذب في مكة ليترك هذا الدين- أن يصعد فيؤذن من فوق الكعبة.

وفي اليوم التالي خطب النبي خطبة الوداع وبيَّن فيها معالم الدين، ثم بايعه أهل مكة على السمع والطاعة، وأقام بها 19 يومًا وضح لهم فيها معالم الإسلام وتعاليمه.

دخلت مكة تحت نفوذ المسلمين، وزال حكم قريش عنها، وأصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العرب.