كشف رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار محمد عابد، أن عدد القضايا المدنية والجزائية التي وردت القضاء في قطاع غزة في غضون 15 عامًا، بلغت 350 ألف قضية، فُصل في 315 ألفًا منها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن القضاء ورث 60 ألف قضية متراكمة قبل أحداث الانقسام الفلسطيني.
وأوضح عابد في حوار خاص مع صحيفة "فلسطين"، أن الجهاز القضائي تعرض بعد أحداث يونيو/ حزيران 2007م لانهيار، وتطلب إعادة إحياء المؤسسة جهودًا غير مسبوقة من حيث تأهيل الكوادر أو من جانب استحداث أدوات تقنية لتسهيل المهام.
وبين أن تشكيل مجلس للقضاء جاء لضمان عدم التغول على الحقوق والحريات، ولملاءمة جملة الإجراءات والتدابير الشرطية أو الحكومية مع شروط العدالة، مشيرًا إلى أن تعيين القضاة وأعضاء النيابة وإلحاقهم بالقضاء تم بواسطة مسابقات معلنة، إلى جانب ترتيب أدوار النيابة العامة أمام القضاء، وفقًا للمقتضيات التشريعية ونصوص القانون الأساسي.
إنجازات القضايا
وذكر عابد أن القضاء بدأ عام 2007 بسبعة قضاة ثم زاد العدد بعد عام ليصبح 25 قاضيًا، والآن هناك 76 قاضيًا يعملون في ظروف عمل استثنائية، إذ يبلغ متوسط القضايا التي ينظر فيها كل قاضٍ يوميًّا 30-40 قضية، "لكن إحساسهم بثقل الأمانة والمسؤولية يجعلهم يتعالون على كثير من النواقص اللوجستية".
وأفاد بأن قطاع غزة يحتاج إلى 200 قاضٍ حسب المعايير العالمية مقارنة بعدد السكان، وقد أعد المجلس خطة ليصل عدد القضاة إلى 100 قاضٍ في المرحلة المقبلة.
وقد بلغ مجموع القضايا المدنية بين عامي 2007 و2020، 132 ألفًا و587 قضية تتعلق بالأراضي والسكن والحقوق والأموال والديون والشركات والبنوك، تم الفصل في 118 ألفًا و242 قضية، "بمعنى أن أكثر من 92% منها جرى الفصل فيها"، وفق عابد.
وأوضح أن عدد القضايا الجزائية (الجنح والجنايات) في المدة ذاتها بلغ 218 ألفًا و68 قضية، تم الفصل في 197 ألفًا و609 قضايا منها، بنسبة إنجاز بلغت 95%، إذ تبقى 23 ألفا و500 قضية لم يتم الفصل فيها.
وفي هذا السياق قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء: "نتحدث عن 350 ألف قضية مدنية وجزائية وردت المؤسسة القضائية خلال 15 عاما، تم الفصل في 315 ألف منها، وهذا بخلاف 60 ألف قضية متراكمة قبل عام 2007".
وعدّ مجموع القضايا "وزنًا بسيطًا" بالنسبة لعدد السكان البالغ مليوني نسمة في قطاع غزة، "ما يدلل على أن المجتمع الفلسطيني واعٍ وفتي"، لافتًا في الوقت عينه إلى أن زيادة عدد القضايا لا ترتبط فقط بالزيادة السكانية، وإنما هي مؤشر لحالة الحصار والحروب العدوانية التي شنها الاحتلال على غزة والآثار والتعويضات وجملة التداعيات والإشكاليات التي ترتبت على ذلك.
وعن جرائم القتل في غزة، قدر عابد مجموع قضايا القتل الموجودة بالمحاكم قبل 2007 حتى اليوم بنحو 221-300 قضية بعضها متراكم قبل أحداث الانقسام، "وهذه لا تدلل على وجود ظاهرة للقتل".
وذكر أن جزءًا من القضايا الجنائية فر مرتكبوها من العدالة خارج البلاد، وآخرون أفرج عنهم بكفالة مالية وإجراءات مرتبطة بجهود الإصلاح العشائرية.
وأفاد عابد بأن المؤسسة القضائية فصلت في 95% من جنايات القتل، ويقدر عدد القضايا المنظورة الآن أمام المحاكم بنحو 40 قضية، مبينًا أن 25 قضية منها صدر فيها حكم أمام محكمة البداية ويستأنف أصحابها في دوائر الاستئناف والنقض وقد تستوفي إجراءاتها خلال الأشهر القادمة.
وتحدث بأن نحو 20 قضية قتل استنفدت إجراءات التقاضي أمام البداية والنقض والعليا وجاهزة للتنفيذ بعدما صدر حكم نهائي بها، لكنها لم تنفذ.
وأشار إلى أن جزءًا من القضايا الأخرى عالقة لفرار المتهمين خارج غزة وعدم قدرة الشرطة على الوصول إليهم، وقضايا أخرى عالقة لدواعي ترتيب مصالحات عشائرية بين الخصوم، مؤكدًا أن ملف جنايات القتل أخضع لعمليات فحص وتدقيق ومتابعة مع رؤساء المحاكم.
جنايات القتل
وتطرق إلى تفاصيل خطة التعامل مع جنايات القتل، مشيرًا إلى أن القضاء بدأ خطة منذ عامين -دون الإضرار بأي حقوق للمتهمين ووكلائهم- بإطالة مدة الجلسة من ربع ساعة إلى ساعتين وثلاث ساعات مع إعطاء طرفي العلاقة (النيابة والدفاع) حقهم في تقديم كامل بيناتهم، وتقصير مدة تأجيل التقاضي بما لا يزيد على أسبوع.
ومضى إلى القول: "وضعت الخطة عام 2019 وانتهت معظم القضايا وأكبر القضايا شهرة لم تأخذ جلستين أو ثلاث جلسات، أي 15 ساعة قضائية، بدلًا من تحديد الجلسة بربع ساعة فيصبح لدينا 45 جلسة وبين جلسة والأخرى شهران أي يصبح الانتظار 90 شهرًا"، مشيرًا إلى أن القضاء أصدر حكمًا نهائيًّا في قضية مقتل صراف في خان يونس بعد قرابة شهرين فقط من مقتله.
ونبه عابد إلى أن الظروف السياسية والتعقيدات الإدارية والحروب وتعطيل المحاكم لفترات، أثر سلبًا في عمليات التقاضي، إضافة إلى نقص الكادر القضائي المترتب على أحداث الانقسام واستنكاف القضاة وأعضاء النيابة.
قضايا الشيكات والتجار
وبشأن تحويل قضايا الشيكات والتجار إلى الغرفة التجارية، يقر عابد بداية بأن وظيفة القضاء "إنسانية ورسالته هي الاستثمار في الحقوق الإنسانية والمبادئ والأخلاق".
وأضاف: "عندما يقوم القضاء بجملة من الإجراءات فهو لا ينظر للمكونات الوطنية والمتداعين سواء بالشق المدني أو الجزائي أنهم خصوم مع المجتمع، فهؤلاء ليسوا خصوما بل هناك نزاعات حصلت بين المواطنين وعرضت على القضاء الذي ينظر لطرفي العلاقة بأنسنة الموضوع".
وأكد أن الشراكة مع الغرفة التجارية بهذا الملف، فيه منفعة للقضاء والتجار والمكونات المجتمعية لتعزيز الشركاء وجذبهم للعملية الإنسانية لمعرفتهم بالظروف التي تعرض لها التجار نتيجة لأسباب سياسية.
نظام محوسب
إلى ذلك كشف عابد، أن لدى القضاء خطة لحوسبة المؤسسة القضائية وربط بنيتها في الجهاز الحكومي والشرطي من أجل تيسير معاملات التقاضي بعد إصدار الأحكام وتوقيع القرار وإيصاله لجميع المحافظات بحيث يخلى سبيل الموقوف دون عملية ورقية تستنفذ وقتًا.
وأوضح أن المجلس أنجز بعض خدمات هذه البنية، التي تشمل استعلام المحامين عن القضايا، وتتيح كذلك للمواطن الاستطلاع على القضايا المرتبطة به.
وبينما تحدث عباد عن حصول المؤسسة القضائية على تمويل لمشروع الحوسبة القضائية بعد تحليل بيانات التقاضي المتوافرة، نبه إلى أن هناك تحديات تشريعية لتنظيم الموضوع، كذلك ما هو متعلق بالمؤسسات الشريكة من نقابة محامين ونيابة وشرطة، بحيث يكونون مؤهلين للتعاطي مع الدعوى وفق بنية تحتية سليمة محاسبيًّا، وأخرى بشأن أهلية الحاسوب الحكومي لاستيعاب الخطة.
وأوضح أن الخطة تحتاج لجملة من الإجراءات والمطالبات والنقاشات مع الشركاء: نقابة المحامين، والمواطنين، والمراكز الحقوقية والشرطية والنيابة ليزودوا المؤسسة القضائية بالبيانات الصحيحة للرجوع إليها وقت الحاجة، إضافة إلى تحدٍّ تقني مرتبط بسيرفرات يعيق الحصار إدخالها.
وذكر أنه في حال إتمام الخطة ستجعل القضاء في غزة يستعمل الدعوى الإلكترونية وكل ما له صلة بالموضوع عبر الهاتف، وسيتمتع المحامون بجملة من الخدمات دون الانتقال بين المحاكم.
دليل إجراءات
وأفاد عابد بأن القضاء أصدر دليل إجراءات موحدًا لكل العملية القضائية جرى توزيعه بداية العام الجاري، يعد أول دليل إجراءات بفلسطين وربما بالمنطقة يحدد العملية الإجرائية بشكل سليم وصحيح.
ويتضمن الدليل كل ما يتعلق بالعملية القضائية وكل ما يحتاجه المواطن أو المحامي وكل ما يتعلق بإجراءات الدعوى ومكان تقديمها وكيفية استئنافها والطعن فيها، عادًّا ذلك تفوقًا على "دول لديها أوضاع مستقرة".
وحول البطء في البت بالقضايا، أوضح أن القضايا التي تزيد على عامين تختم بـ"اللاصق الأحمر"، بأنه ممنوع تأجيل جلسات هذه القضايا أكثر من أسبوع حتى لا تبقى بالمحاكم، وهناك متابعات لهذا الأمر.
وأشار إلى وجود قرار بوصم كل القضايا قبل 2019 بـ"اللاصق الأحمر"، وعليه فما قبل هذا التاريخ أصبحت محدودة.