تحتل القدس مكانة مركزية في الجدل المصاحب للانتخابات الفلسطينية المقررة في 22 أيار القادم...حركة فتح (والسلطة)، تؤكد ألسنة قادتها، بأن «لا انتخابات من دون القدس»، فترد حركة عليها حركة حماس (وآخرون)، تلكم ذريعة لتعطيل الاستحقاق أو إرجائه. فتح (والسلطة) تعتبر الانتخابات من دون القدس، تخليا عنها، فيما حماس (وآخرون)، تجادل بضرورة خوض معركة القدس، وتحويلها إلى مواجهة ضد الاحتلال، من دون أن تتقدم بخيارات بديلة أو تشرع في المعركة.
من فائض الكلام، الحديث عن أهمية القدس في المشروع الوطني الفلسطيني، فتلكم واحدة من المسلمات التي لا تُوجب جدلا ولا تستثير خلافا، سيما في هذا التوقيت الذي تتكثف فيها مساعي الاحتلال لتهويد المدينة و«أسرلتها»، إن بالتضييق على سكانها الأصليين، أو بالعمل لتغيير طابعها التاريخي والقانوني.
فريق «لا انتخابات من دون القدس»، لا يجيب عن أسئلة من مثل: ماذا لو أصرت (إسرائيل) على تعطيل الانتخابات في «عاصمتها الأبدية الموحدة»؟. ماذا إن أخفقت جهود الفلسطينيين، المتواضعة حتى الآن، لتحويل قضية الانتخابات في القدس، إلى معركة أوسع ضد الاحتلال؟ هل من الحكمة وضع الانتخابات الفلسطينية، تحت رحمة «الفيتو» الإسرائيلي؟ إن كانت الانتخابات، مزعجة لـ(إسرائيل)، فلماذا نتوقع منها تسهيل إجرائها؟ هل ثمة ضمانة، بأن (إسرائيل) ستقبل في وقت لاحق بإجراء الانتخابات في القدس، في حال تم إرجاؤها، أم إن تعنت اليوم، سيكون مقدمة لتعنت أكثر استفزازا في الغد؟
في المقابل، يتحاشى الفريق الآخر، عرض أفكار عملية وملموسة بديلة في حال أصرت (إسرائيل) على موقفها المتعنت، ولا يجيب عن أسئلة من نوع: هل نقبل بإجراء انتخابات من دون القدس؟ ما هي الخطط التي يمكن عرضها على «الكل الفلسطيني» للالتفاف حو الصلف الإسرائيلي؟ هل القول بضرورة خوض المعركة من أجل القدس، يكفي لمواجهة إشكالية فعلية، سيتعين على الفلسطينيين (والمقدسيين بخاصة) مواجهتها بعد أربعين يومًا فقط؟
في ظني أن موضوع القدس، ما كان ينبغي أن يُثار في الإعلام، وأن يُدار الخلاف بشأن انتخاباتها، عبر التراشق بالاتهامات. فريق يتحدث عن سبب جوهري لتأجيل الاستحقاق جزءا منه، وفريق آخر يتحدث عن تبرير وذريعة لأسباب أخرى، تتعلق بمخاوف فتح وانشقاقاتها. كان يتعين بحث الموضوع، بعقل بارد، وخلف أبواب مغلقة، بين «الكلّ الفلسطيني»، للاتفاق على خطة رئيسية «Plan A» للتعامل مع هذا الملف، وخطة بديلة في حال تعذر إنفاذ الأولى «Plan B».
من وجهة نظرنا، فإن معركة «انتخابات في القدس»، لم تُخض حتى الآن، ولا أتوقع خوضها في الفترة القريبة المقبلة، إذ باستثناء التوجه للاتحاد الأوروبي وبعض عواصم، لطلب الموافقة الإسرائيلية، لا نرى معركة ولا معركتين. معركة القدس، يجب أن تدار بـ«خلية أزمة وطنية»، على الأرض بالمقاومة الشعبية، وتوسيع نطاق الاحتجاج والاعتراض، وفي مختلف الساحات والميادين الإقليمية والدولية، إعلاميا وحقوقيا وسياسيا ودبلوماسيا، يجب أن يُطرق كل باب، بحثا عن حل يعيد القدس إلى حاضنتها، انتخابيا على الأقل. يجب تحريك المقدسيين وفلسطينيي 48، فضلا عن أهل الضفة في مواجهة القرار، ويجب تفعيل الجاليات وأصدقاء فلسطين في العالم برمته، فالمعركة محمّلة بالدلالات، والتهاون في مسألة القدس انتخابيا، يعني الاستعداد للتهاون بشأنها تفاوضيا.
قد ينجح الفلسطينيون في كسر القرار الإسرائيلي، وقد يفشلون، بعد أن أضاعوا وقتا ثمينا في «التلاوم» وتبادل الاتهامات، هنا يأتي دور «Plan B»، التصويت عن بعد، أو التصويت الإلكتروني، وحين نقول عن بعد، فمن أقرب نقطة إلى قلب القدس ومدينتها القديمة وحوضها المقدس، على أن تتواصل معركة المدينة بالانتخابات ومن دونها، فليس من الحكمة تعليق الانتخابات على «شرط» تحييد «الفيتو» الإسرائيلي، وليس من «الوطنية» في شيء، تقزيم المسألة تحت وطأة الشغف بالسلطة والانتخابات.