يهنئ الناس بعضهم بعضًا بحلول شهر رمضان، يستقبلون الشهر بالفرح والتبريكات، فرمضان يحمل معه الجديد، ويخرج الناس من روتين الحياة اليومية والرتابة إلى أجواء التراحم والتفاعل وترقب الحدث، وكأن شهر رمضان لا يدق طبول السحور بمقدار ما يدق على أوتار القلوب الغافلة إلى حقيقة العالم الآخر، عالم الخلود، واليوم الموعود.
وكل رمضان والمسلمون قادرون على الصوم، وبصحة وعافية وأمن يمكنهم من تأدية الفريضة بلا وجل، وكل رمضان والمسلمون واثقون بقدراتهم، ومؤمنون بأن الغد سيكون أجمل، ما دام تعزز لدى هذه الأمة قاسمها المشترك، الذي يدعوها إلى طاعة الله، فتلبي نداءه، ويدعوهم إلى الصيام، فيستجيب له الماليزي والتركي والإيراني والعربي والنيجري، وتستجيب السماء لدعاء المسلمين بأن يوحد الله شمل هذه الأمة، وأن يخرجها من ظلمات التمزق والفرقة والاختلافات إلى نور القرار الموحد، والرؤية الصائبة التي تلتقي عليها أمة لا إله إلا الله، فما دامت تجتمع هذه الأمة على صيام شهر رمضان، وتجتمع على تأدية فريضة الصلاة، وما دام يشهد جميعهم بأن لا إله إلا الله، ويحرص قادرهم على أداء فريضة الحج، فمعنى ذلك أن القواسم المشتركة للأمة أكثر من عوامل التفرقة، ومعنى ذلك أن اللقاء الروحي يفرش الأرض للقاءات مادية واقتصادية وسياسية وحياتية، تفرض منطق الجسد الواحد الذي يشقيه توجع أصغر أطرافه.
وكل رمضان وشعبنا الفلسطيني واثق بقدرته على الصمود، وواثق بقدرته على تغيير هذه المعادلة البائسة القائمة على الهدوء مع عدوهم الإسرائيلي، ولا يتحقق ذلك دون وحدة وطنية، ودون قيادة جماعية، ودون تحمل المسؤولية بشكل مشترك، بعيدًا عن التفرد، وبعيدًا عن الاستقواء بالغرباء، فهذا الشعب الذي ينتظر موعد الإفطار ليؤدي الفرض، ويقيم اعوجاج سلوكه، هو أشد ما يكون إلى قيادة تقف أمام أخطائها، وتقيم الاعوجاج، وتنحو بالقضية في اتجاهات تعزز الشراكة، لا سيما والشعب الفلسطيني ينتظر الانتخابات، التي ستتزامن مع موعد عيد الفطر، ليكون العيد عيدين، والفرحة فرحتين، فرحة عيد الفطر وفرحة الانتخابات، وفي الحالتين تُجرى المحاسبة، محاسبة النفس في رمضان، ومحاسبة القرار السياسي داخل صندوق الاقتراع، والأمل بأن تشرق الشمس على غد أفضل، ولن يضيع أجر الصائمين.
وكل رمضان وأنتم قادرون، وبصحة وعافية.