فلسطين أون لاين

استقبِلْ رمضان بـ"التكافل" ولو بشقِّ تمرة

...
تمر
ريما عبدالقادر

حينما نتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ" فهي دعوة للجميع بالتصدق والتكافل ولو بالقليل، فكل إنسان يستطيع أن يقدم المساعدة لغيره بالوسع الذي يقدر عليه، فالله تعالى يقول: "لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" (الأعراف:42).

وعند النظر لوضع قطاع غزة من جراء الحصار الذي يعقد الظروف الاقتصادية والمعيشية لا سيما مع جائحة كورونا فإن الحاجة ماسة للتكافل، الذي يفتح أبواب الخير.

يا طالب الخير

وعند النظر في تاريخ المسلمين نجد أن الأشعريين قد ضربوا أروع الأمثلة في التعاون، حيث يقول النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنهم: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".

وعن هذا التعاون الطيب خاصة في شهر رمضان المبارك والحاجة له يوضح رئيس لجنة الإفتاء في الجامعة الإسلامية د.زياد مقداد، أن أياما قليلة تفصلنا عن حلول شهر رمضان المبارك، فهو سيد الشهور والخير والبركات وتنزل فيه الرحمات وتفتح فيه أبواب الجنة، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، حيث ترتفع فيه الدرجات.

ويسترشد بأنه عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَنَادَى مُنَادٍ: يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ، وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ اقْتَصِرْ حَتَّى يَنْسَلِخَ الشَّهْرُ".

ويتابع حديثه مع صحيفة "فلسطين":" هذا الفضل العظيم في الشهر المبارك يتطلب من المسلمين الاستعداد بالطاعات وفعل الخير والتكافل من الأمور المهمة التي ينبغي عدم الغفلة عنها، فكل مسلم ينبغي أن يكون " يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ".

ويشير إلى أن الصحابة رضوان الله عنهم كانوا يستعدون لشهر رمضان قبل ستة أشهر ويدعون الله تعالى أن يُبلغهم رمضان، وستة أشهر بعد رمضان يدعون أن يتقبل الله تعالى منهم فروح رمضان تسري في روحهم كل العام هذا الاستشعار يجعلهم يحرصون على فعل الخيرات والتكافل فيما بينهم خلال العام.

القلوب الرحيمة

وعند النظر لأوضاع قطاع غزة المحاصر فإن الأمر يطرق الحاجة الماسة للتكافل إذا يقول مقداد:"

نمر بظروف صعبة جراء الحصار والوضع الاقتصادي وجائحة كورونا تعطلت فيه مصالح الناس خاصة لأصحاب الأجرة اليومية مثل السائق، وغيره الكثير من الذين يعيشون ظروفا صعبة".

ويتابع:" هذا الأمر يقتضي ونحن نستقبل هذا الشهر العظيم من أصحاب القلوب الرحيمة وأصحاب الأموال أن يقوموا بواجبهم وأن يحرصوا على دفع زكاة أموالهم، وليس هذا فقط، بل ينبغي أن يتصدقوا بأكثر من ذلك، فما أحوج الناس إلى التعاون".

ويبين أنه من خلال ذلك يتحقق شيء من التكافل والأخذ بأيدي الفقراء والمحتاجين، وهذا الأمر من روح ومقاصد الإسلام، لقوله تعالى:" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " (المائدة:2).

ويسترشد بأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ".

ويؤكد أن من مقتضيات الأخوة ألا ترى أخا لك محتاجا، وأنت تستطيع أن تقدم له المساعدة ولا تفعل ذلك، فإذا كنا إخوة في العقيدة حقيقة ينبغي أن ينظر كل واحد إلى من هم حوله من إخوانه وجيرانه وأقاربه من المحتاجين ويبادر في تقديم المساعدة.

ويفسر اقتراحه: "لو كل مجموعة من أصحاب المال في حي أو عائلة تفقدوا المحتاجين من حولهم ستحل هذه الأزمة وسيشعر الناس بالأمل وأن هنالك خيرا في البلد ويشعرون بذلك بالثقة بإخوانهم".

ويوجه نداء لذلك عبر صحيفة "فلسطين":" أوجه نداء بل مناشدة إلى كل القادرين من أبناء شعبنا أن يمدوا أيديهم إلى الفقراء والمحتاجين خاصة مع بداية هذا الشهر الكريم فهو شهر الرحمة والفرحة والتراحم فينبغي ألا نسمح أن يبقى بيننا محتاج".

وحتى إن كنت بسيط الحال ممكن أن تقدم يد المساعدة، إذ يقول مقداد: "كل إنسان يستطيع أن يقدم حتى وإن كانت ظروفه متوسطة الحال، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"".

ويوضح أنه من الممكن أن يقدم الإنسان مساعدة حتى وإن كانت شيقلا واحدا فالبناء يبنى من مجموعة من اللبنات.

ويؤكد أنه من خلال التكافل وخاصة في شهر رمضان يمكن تجاوز الأزمات.

والآن تأمل قول الله تعالى:" الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "(البقرة:274)، فكن أنت ممن قال الرحمن فيهم ذلك.