فلسطين أون لاين

تقرير الشباب لم يعودوا في مأمن.. طفرة كورونا الجديدة تفتك بهم أيضًا

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

الصوتُ مُختنق وكأنَّ حبلًا ملتفٌّ عليه، "نخزات" مفاصله مثل مطرقة تدقُّ مسمار الألم في جسده، ناصيته تتصبب عرقًا كمن يجلس قرب موقد مشتعل؛ متصل بأجهزة التنفس طوال الوقت لإمداده بالهواء، عشرة أيام مرت والمدرس أحمد (اسم مستعار) الذي لم يتجاوز خمسة وثلاثين عامًا من عمره في حالة إعياء شديد يرقد بحالة خطرة في غرفة العناية المكثفة نتيجة إصابته بفيروس كورونا.

في داخل تلك الغرفة، لا تتوقف الأصوات المنبعثة من الأجهزة الطبية عن إصدار إشاراتها، كذلك لا يتوقف وصول الشباب بين الفينة والأخرى لمستشفى "غزة" الأوروبي.

بكلمات غلب عليها الذهوب، أدخل عبد الله فرج "فلسطين" في تفاصيل معاناة صديقه الصحية: "الحقيقة أني تفاجأت بما حدث، فلم أتوقع أن يؤثر الفيروس فيه بهذا الشكل لكونه شابًّا وغير مريض (...) حينما أحدثه ألاحظ نطقه بصعوبة، وكذلك أنفاسه اللاهثة التي تدلل على التعب الشديد، وهذا يدفعني -مع أني أصبت بالفيروس بالموجة الأولى- لأخذ أقصى درجات الحيطة".

علامات غريبة

لم تمر سوى أربعة أشهر على إصابة الشاب خالد (37 عامًا) بفيروس كورونا، قبل أن تظهر عليه قبل عدة أيام أعراض مشابهة لتلك التي ظهرت عليه في المرة الأولى، أبرزها صداع واحتقان وألم، علامات جعلته يذهب لإجراء مسحة.

أربعة أيام مرت عليه قبل ظهور نتيجة الفحوصات كانت كفيلة بإدخاله في دوامة من الشك والحيرة، ذهبت جل توقعاته إلى أن النتيجة ستكون سلبية، لكونه أصيب وهناك جدار مناعة قد تشكل بداخل جسده، لكن جاءت النتائج بخلاف ذلك، "فحينما وصلتني النتيجة موجبة، نظرت لهاتفي وشعرت بالصدمة، لكوني كنت مصابًا، وعليه حجرت نفسي وأفراد أسرتي".

للشباب الذين يعتقدون أنهم بمنأى عن الإصابة، يقدم خالد -الذي طلب عدم الكشف عن اسمه- نفسه كنموذج يخالف ذلك الاعتقاد قائلًا: "لا يوجد تهاون في هذا الشيء، وإصابة الشاب حاليًّا غير أنها تعرض حياته للخطر فإنها أيضًا تعرض أحبابه من كبار السن لذلك".

شاب لم يتجاوز ستة وثلاثين عامًا قدم من دولة تشيلي لا يعاني أمراضًا، وصل إلى المستشفى "الأوروبي" بعد إصابته بفيروس كورونا، ومع التدهور السريع في حالته الصحية سارع الأطباء إلى وصله بأجهزة الأكسجين، في وقت كانت أنفاسه تتعارك وتتسابق للوصول لقمة مجرى التنفس هربًا من فيروس يملأ طريقها، إلا أن جسده لم يستجب للعلاج وحدث تدهور سريع في حالته توفي على إثرها بعد أسبوعين من دخوله المشفى.

هنا؛ أبصر الوليد الحياة وقدم إلى الدنيا بعد إخراجه من رحم والدته بعملية قيصرية، انتهت الفرحة دون أن تعانق الأم طفلها، فقد بدأت أعراض إصابتها بفيروس كورونا بالظهور في إثر إصابتها بعدة جلطات أدت لتوقف القلب، على إثرها نقلت لمستشفى غزة الأوروبي في حالة نقص أكسجين شديد، وهناك تلقت الرعاية الكاملة بوصلها بأجهزة تنفس، وتحسنت حالتها لكن الفيروس عاد للنيل منها بشكل مفاجئ ثم حدثت جلطة أخرى أدت لوفاتها.

يعلق الدكتور وليد الصالحي استشاري العناية والتخدير ورئيس أقسام العناية بمستشفى غزة الأوروبي، الذي روى لصحيفة "فلسطين" القصتين السابقتين كدليل على فتك الفيروس بفئة الشباب، وأنها ليست بمأمن عن الإصابة: "الملاحظ في الجائحة الثانية أنها أكثر فتكًا وأكثر انتشارًا بين كل الفئات العمرية، وأكثر إصابة للأطفال والشباب الذين حدثت بينهم وفيات لشباب في الثلاثينات والأربعينات من عمرهم، من الموجة الأولى".

وبحسب الصالحي، فإن انتشار المرض لم يصل للذروة التي من المحتمل أن تظهر عواقبها خلال الأسبوعين القادمين، مضيفًا: "نلحظ وجود تدهور سريع في حالة المريض تظهرها صور الأشعة وفحص غازات الدم، بمعنى أن المرض أسرع في الشدة والسوء وأكثر شراسة عن الموجة الأولى".

وعلى الرغم من وجود مناعة للشباب ضد الفيروس، فإن الصالحي يشير إلى أن ذلك لم يمنع من تدهور حالتهم الصحية قائلًا: "يأتينا مرضى من فئة الشباب بحالة خطرة وتوفي بعضهم، أما الأطفال فحتى اللحظة لم يردنا من المستشفيات الأخرى عن وفاة بينهم، وإنما ارتفاع نسبة الإصابة بينهم".

أقصى درجات الحيطة

هذه الحالة الخطرة تدفع بالصالحي للتحذير بضرورة توعية المجتمع بأخذ أقصى درجات من الحيطة، وعدم الخروج من البيوت إلا للضرورة، "لكون الفيروس استشرى في المجتمع، ويجب اتخاذ كل أساليب الوقاية".

وحول اختلاف سلالة الفيروس، قال: "بالنسبة لنا كأطباء عناية لا يهمنا ذلك، ففي كلا الحالتين الأعراض ذاتها، وينصب تفكيرنا في إسعاف المريض والحد من انتشار الفيروس، وإعطائه الأكسجين في وقت مبكر حتى لا يتعرض للاختناق أو التجلطات".

يوضح الصالحي ما حدث مع السيدة التي توفيت بعد عملية ولادة قيصرية: "السيدة صغيرة وحامل حدث معها تدهور سريع، وهذا نتيجته حدوث جلطات متتالية يسببها الفيروس، وعندما جاءت إلينا تحسنت حالتها وعاد إليها التنفس فخرجت بصحة جيدة لكن حدث تدهور سريع بصحتها وهبوط حاد في الضغط والنبض وجلطة أخرى أدت لوفاتها، ما يستدعي أن تحتاط الحوامل، وهناك مواطنون يصابون ويستهترون دون مراجعة المشفى وقد تحدث الوفاة بينهم وهم في البيوت".

الملاحظ أيضا على الفيروس، تبعا لحديث الطبيب، نشاطه السريع والتهامه لأعضاء المصاب بشكل أسرع من السابق، خاصة الحويصلات الهوائية التي يلتهمها سريعا فيشعر المريض بالاختناق.

الأمر الآخر الذي يركز عليه الصالحي، أن هناك مواطنين حصلوا على الجرعة الأولى من التطعيم لكنهم أصيبوا وبعضهم توفوا، ما يعني أن اللقاح لا يعني الراحة التامة أو الضمانة بعدم الإصابة، فاللقاح قد يخفف حدة الأعراض لكنه لا يمنعها.