في الأيام الأخيرة كثُرت تصريحات قادة السلطة الفلسطينية عن أهمية القدس، وضرورة أن تشملها الانتخابات التشريعية تصويتًا، وترشيحًا، وبلغ الأمر ببعضهم أن هدد بعدم إجراء الانتخابات، إلا إذا ضمن إجرائها في القدس، وأنهم لن يمرروا صفقة القرن من خلال الانتخابات دون القدس، وأنهم ما زالوا ينتظرون الرد الإسرائيلي على طلبهم بإجراء الانتخابات، وحتى اليوم، لم ترد إسرائيل على طلب السلطة الفلسطينية.
حديث قادة السلطة عن الانتخابات في القدس فيه تناقض، إذ كيف ترسل السلطة طلبًا لإسرائيل بإجراء الانتخابات، وتنتظر الجواب، الذي لم يصل بعد، وفي الوقت نفسه تهدد بإلغاء الانتخابات إذا رفضت (إسرائيل) أن تُجرى في القدس؟ على قيادة السلطة الفلسطينية أن تحدد موقفها بشجاعة، هل ستواجه الاحتلال الإسرائيلي في القدس، وتتحدى، وتقاتل، وتفرض نفسها ميدانيًّا، أم ستحرد، وترفض دخول بيت الطاعة، وتلجأ للمحاكم الشرعية لتحصيل حقوقها؟ وهل حقًا غدت القدس نقطة اشتباك، أم ستكون القدس هي المبرر الوطني لقيادة السلطة كي تؤجل أو تلغي الانتخابات؟
القارئ المحايد للواقع الفلسطيني يقول: ما أقوى السلطة الفلسطينية! في يدها الورقة السحرية القادرة على فرض الإرادة الفلسطينية على الحكومة الإسرائيلية، إنها ورقة التنسيق والتعاون الأمني، فالسلطة قادرة على الضغط من خلالها، والقول بصراحة ووضوح: إن عدم السماح بإجراء الانتخابات التشريعية في القدس يعني التخلي عن البند الثالث-فقرة أ من اتفاقيات إعلان المبادئ، وهذا التجبُّر الإسرائيلي في عدم تطبيق بند الانتخابات يعطي السلطة الفلسطينية المبرر لعدم تطبيق البند السابع، فقرة ج، من الاتفاقية نفسها، والتي تتحدث عن تشكيل لجنة تنسيق وتعاون أمني بين الطرفين.
واحدة بواحدة، أو كما يقول المثل: لا أحد أحسن من أحد، ولا أحد يحق له الطعن ببنود الاتفاقية، وانتقاء ما يناسبه منها، ليطبق الآخر كل بنودها بحذافيرها، وهذا الأمر يجب أن يكون مطروحًا على طاولة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهي الجهة التي وقعت الاتفاقية، وهي المسؤولة أمام الشعب الفلسطيني أولًا، وأمام الشعوب العربية ثانية، لتتحمل المسؤولية، وتربط إجراء الانتخابات في القدس مع تواصل التنسيق الأمني.
لو حدث ذلك، وأُوقف التنسيق والتعاون الأمني من أجل القدس، وعروبتها، وإسلامها، وقتها، سنصفق نحن الفلسطينيين لقيادة المنظمة، وسنرقص في الشوارع، ونهتف للقيادة التي أخذت الموقف الشجاع في اللحظة التاريخية.
أما إذا لجأت القيادة إلى إلغاء الانتخابات بحجة منعها في القدس، وفي الوقت نفسه تواصل التنسيق والتعاون الأمني، حينئذٍ سيقول الشعب الفلسطيني لقياداته: لقد بعتم القدس، وخنتم المقدسات، وتنازلتم عن الثوابت، فلا بقاء لكم بيننا، ولا قيمة لكم عندنا، ولا حضور لكم في مجالسنا وقلوبنا، فاغربوا عنا، يا من بعتم القدس مقابل امتيازات خاصة يحققها لكم التنسيق والتعاون الأمني.
الشعب الفلسطيني ينتظر موقف القيادة الفلسطينية من القدس، فإما أن تصر القيادة على إجراء الانتخابات في القدس رغم أنف المحتلين، وإما أن تؤجِّل الانتخابات بذريعة القدس، وهذا يعني الانكسار، والخضوع لإرادة المحتلين، والتسليم للعدو بحقه التاريخي والعقائدي بالقدس التي صارت عاصمة أزلية لدولة الغاصبين.
من أجل القدس، وإجراء الانتخابات تصويتًا وترشيحًا، أوقِفوا التنسيق الأمني إن كنتم صادقين.