فلسطين أون لاين

سياسات نتنياهو من أجل البقاء وأثرها في الواقع الفلسطيني

لم تُفلح الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في "إسرائيل" بتاريخ 23/3/2021 في إخراج دولة الاحتلال من أزمتها، فقد حصل معسكر بنيامين نتنياهو على 52 مقعداً في الكنيست، وحصلت الأحزاب المناوئة له على 57 مقعداً، الأمر الذي يجعل مسألة تشكيل حكومة مستقرة غاية في الصعوبة، وتحتاج إلى تحالفات ربما يتعذر توليدها إلا بعمليات قيصرية، خاصة أن المقاعد الأحد عشر المتبقية تملكها أطراف إما راغبة في تحصيل مكاسب كبيرة، والمقصود هنا حزب يمينا بقيادة نفتالي بينت، وقد حصل على سبعة مقاعد، وإما تصعب موافقة الأحزاب المتطرفة على قبول التحالف معها، والمقصود هنا القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس التي حصلت على أربعة مقاعد فقط.

ما الذي يمكن أن يحصل؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟ سيُناقش هذا المقال هذه الأسئلة، لكن قبل عرض السيناريوهات المتوقعة لا بد من تسجيل أهم المستجدات التي عكستها هذه الانتخابات، ويمكن رصدها في مجموعة نقاط: أولاها تتمثل في انخفاض نسبة التصويت حيث بلغت في الانتخابات الأخيرة تقريباً 67%، في حين كانت في الانتخابات التي سبقتها حوالي 71%، لكن قوى اليمين عامة تعاظمت قوتها، وبلغ حجمها 72 مقعداً في الكنيست، لكنّ عشرين من بينها تتحفظ على قيادة بنيامين نتنياهو لمعسكر اليمين.

والنقطة الثانية تتمثل في بقاء قوى اليسار محدودة الحجم، على الرغم مما أحرزه حزبا العمل وميرتس من تقدم بسيط، إذ لا تتجاوز مقاعدهم ثلاثة عشر مقعداً في هذا الكنيست، وتراجعت أيضاً المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب العربية.

والنقطة الثالثة تتمثل في دخول الأحزاب التي تتبنى أفكار الحاخام الصهيوني المتطرف مئير كهانا إلى الكنيست فيما عُرف بحزب الصهيونية الجديدة.

إزاء هذا الواقع فإن السيناريوهات التي يمكن نقاشها بشأن تشكيل الحكومة في دولة الاحتلال تتمثل في أربعة سيناريوهات؛ السيناريو الأول هو تشكيل نتنياهو حكومة معتمداً على انضمام حزب يمينا بقيادة نفتالي بنت، ودعم القائمة العربية الموحدة لهذا التحالف من الخارج، وبهذا يحصل على 63 مقعداً، لكن تقف في وجه هذا التحالف مجموعة صعوبات أهمها رفض حزب الصهيونية الدينية بقيادة سموترتيتش بشدة هذا الخيار لأنهم يتبنون مواقف شديدة العنصرية ضد العرب، إضافة إلى أن نتنياهو قد لا يتمكن من دفع الأثمان التي سيطلبها منصور عباس مقابل المشاركة. ولتذليل هذه العقبات تسعى حركتا شاس ويهدوت هتوراة لإقناع سموتريتش بالموافقة على التحالف المدعوم من القائمة العربية الموحدة.

وربما تكون حظوظ تحقق هذا السيناريو معقولة؛ لأن طبيعة المعركة التي تخوضها أحزاب اليمين المتطرف في هذه المرحلة، المتمثلة في تعميق هيمنتها على مؤسسات الدولة، تفرض عليها تشكيل حكومة بقيادة بنيامين نتنياهو، وعدم الذهاب إلى انتخابات جديدة لا يعرف أحد ما هي النتائج التي ستُسفِر عنها، خاصة في ظل انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات الأخيرة.

أما السيناريو الثاني فيتمثل في تشكيل حكومة من المعسكر المناوئ لنتنياهو، ولتسهيل إقامة هذه الحكومة فإن يائير لبيد رئيس حزب (يوجد مستقبل) أبدى استعداده لتشكيل حكومة يتناوب فيها على رئاسة الوزراء مع نفتالي بينت، بحيث يكون نفتالي بينت هو الأول، وحتى لحظة كتابة هذا المقال فإن نفتالي بينت ما زال يدرس الأمر، وفي الوقت نفسه يتعرض بينت إلى ضغط من الأوساط اليمينية لرفض الشراكة مع لبيد، وهذا يُضعف احتمالية نجاح هذا التحالف، ويزداد احتمال ضعف هذا التحالف إذا كان نفتالي بينت يُجري هذه المفاوضات من أجل تحسين شروط انضمامه إلى حكومة بقيادة بنيامين نتنياهو.

والسيناريو الثالث الذي يمكن نقاشه هو تشكيل حكومة بقيادة يائير لبيد، لكن مثل هذا الاحتمال ضعيف جداً، والسبب في ذلك يرجع إلى أنه يحتاج إلى دعم القائمة المشتركة، وهنالك من أعضاء القائمة العربية المشتركة من يرفضون الموافقة على حكومة فيها ليبرمان وبينت، إضافة إلى أن بينت لن يقبل الاشتراك في حكومة تدعمها القائمة العربية المشتركة.

والسيناريو الرابع يمكن أن يحدث إذا تمكن نتنياهو، كعادته، من إحداث تصدعات في بعض الأحزاب، خاصة حزبي أمل جديد، وأزرق أبيض، إذا تمكن نتنياهو من الحصول على تأييد عدد من أعضاء هذين الحزبين فبإمكانه تشكيل حكومة مستغنياً عن دعم القائمة العربية الموحدة، وفي ظل الحوارات الجارية، والضغوط المعنوية الشديدة التي تُبذل إزاء حزب يمينا بقيادة بينت، وأعضاء حزبي أزرق أبيض، وأمل جديد، فإنه بالإمكان تحقيق مثل هذا السيناريو، وإن تحقق فسيكون تحالفاً متماسكاً إلى حد كبير.

وهذا يعني أن بقاء نتنياهو هو الاحتمال الأكبر، وإلا فالذهاب إلى انتخابات خامسة، أما تكرار محاولات سن قوانين تمنع نتنياهو من تشكيل حكومة أو تحظر عليه المشاركة في الانتخابات القادمة، فهذا غير وارد؛ لأنه لا يملك أغلبية في الكنيست، وموضوع المحاكم سيبقى يتعامل معها بالسيناريوهات القديمة نفسها.

أما فيما يتعلق بتأثير ما يجري في "إسرائيل" في الساحة الفلسطينية فلن يتغير شيء فيما يتعلق بالاستيطان، وستبقى سياساته متواصلة إلا إذا جوبه بمقاومة، وفيما يتعلق بحصار غزة أو صفقة التبادل لتحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية فهذا يتطلب حكومة مستقرة في دولة الاحتلال، وبخصوص أي مواجهات عسكرية مع غزة فهذا مرتبط بالتطورات الميدانية في الغالب.