لن أكتب مقالًا هذه الأيام التي ينشغل فيها الناس بعدد القوائم والانشقاقات والانتخابات، وحتى ينجلي المشهد مساء الأربعاء، سأكتب قصة مختار إحدى القرى الفلسطينية، لما فيها من عظة وحكمة.
يحكى أن مختارًا من إحدى قرى فلسطين ورث المكانة والديوان عن أبيه، وصار مختارًا في غفلة من الزمن، وبعد أن تربع المختار على العرش، واستقوى بميراث أبيه، وصار له أنصار، لهم أجهزة أمنية تأمر فتطاع، صار المختار يجمع من أهل القرية الضرائب، ويضرب بعصاه ظهر كل من عصاه، ويمنح عطاياه ورتبه ووظائفه لكل مطيع وخانع، حتى صار المختار مرعبًا ومتجبرًا على أهل القرية، وصار يطلب رضاه كل طامع وطائع.
ولما كان رجال القرية ووجهاؤها قد تعودوا الحضور كل مساء إلى ديوان المختار الأول، يقضون بعض الوقت، يتشاورون، ويتسامرون، ويتقاسمون الهموم، فقد قرر الوجهاء ألا يقطعوا هذه العادة، على الرغم من حداثة عهد المختار الجديد، وعدم قدرته على فهم طبائع الناس، فصاروا يأتون وفق العادة إلى الديوان، وكلهم يرجو أن يؤثر في قرارات المختار، وأن يأخذ بيده إلى طريق الصواب، مع الحرص على رضا المختار، والعمل على إسعاده، وتحقيق نزواته، حتى صاروا ينتظرون بشاشة وجهه على الرغم من عبوسه، وينتظرون منه مواقف عاقلة ورزينة، بعيدة عن جلافة طبع المختار، ووقاحة تعامله، وسوء تقديره للأمور.
وتقول الرواية: في إحدى الأمسيات، غضب المختار من حديث أحد الوجهاء، فثار عليه، وصرخ في وجهه، وأهانه، وسط دهشة الجميع، وخوفهم من غضبة المختار.
في اليوم التالي: سأل المختار عن الشخص الذي أهانه، فقيل له: لقد حرد، ولم يرجع إلى الديوان.
غضب المختار وقال: لينصرف إلى الجحيم، ضعوا بدلًا منه حذاءً، وفي المكان نفسه الذي كان يجلس فيه.
ولم تمضِ بضعة أيام حتى غضب المختار على شخص آخر من رجال الديوان، فرفع صوته عليه، وأهانه، بل أمر حراسه بضربه، فما كان من الرجل إلا أن حرد عن المجلس، ولم يعد إلى الديوان ثانية.
وحين سأل المختار عنه في اليوم التالي، قيل له: لقد حرد، ولم يرجع إلى الديوان.
قال المختار ضعوا مكانه حذاءً، حتى يتعلم غيره، وحتى يعرف أن قيمته حذاء.
وهكذا تكرر نزق المختار، وتكررت إهانته لرجال الديوان، وتكرر حرد الشخصيات والقيادات، وفي كل مرة، كان يطلب المختار من حراسه أن يضعوا بدل الحردان حذاءً.
وبعد عدة سنوات من الاستبداد والتفرد بالقرار، دخل المختار الديوان، فوجد نفسه يجلس وحيدًا، ويحيط به صف من الأحذية، بعضها من الحرس القديم، وبعضها جديد، ولكنها أحذية.