أزمات إنسانية ألقت بظلالها على الشارع الفلسطيني في ظل استعداد القوى السياسية والمستقلين لخوض غمار الانتخابات التشريعية المقبلة، فمن الاعتصام المفتوح والإضراب عن الطعام الذي أعلنه الآلاف من منتسبي تفريغات 2005 والعسكريين المتقاعدين قسريًا، إلى اعتصام عائلات شهداء عدوان 2014 ومطالبتهم بصرف مخصصاتهم أسوة بباقي عائلات شهداء فلسطين، مرورًا بمطالبات المحرَّرين باسترداد حقوقهم المالية وعدم الرضوخ لقرارات الاحتلال بمحاربتهم في لقمة عيشهم، إلى مطالبة موظفي البلديات بصرف مخصصاتهم المالية، وتحسين أوضاعهم المعيشية، كما طفت على السطح أيضًا مشكلة موظفي العقود والبطالة في مؤسسات غزة، ومطالبات موظفي حكومة غزة بصرف مستحقاتهم المالية عن السنوات السابقة.
ما ذكرته من أزمات هي غيض من فيض للواقع الإنساني الذي يحياه المواطن الفلسطيني، وهي مشكلات متجذرة ستلقي بظلالها حتمًا على دعاية القوائم الانتخابية، وتشكل ضغطًا على المواطن الفلسطيني وتضعه في حيرة من أمره بين اختيار من يقدم له وعودًا برّاقة بمعالجة همومه ومشكلاته، والتخفيف من أزماته الإنسانية والاقتصادية، وبين من يطلب منه الثبات على طريق التحرير، وعدم تحقيق أهداف الاحتلال، بالتخلي عن القدس والأرض مقابل حياة رغيدة في كنف الاحتلال.
إلى جانب الأزمات السابقة برزت بين يدي الانتخابات تحديات سياسية ما زالت تتفاقم آثارها يومًا بعد يوم في الشارع الفلسطيني، فمن الانقسام التنظيمي الحاد الذي تصاعد داخل الأطر التنظيمية والقيادية لحركة فتح، إلى إذعان حركة فتح لتهديدات الاحتلال بعدم الشراكة مع حركة حماس التي يحذر الاحتلال من فوزها وسيطرتها على الضفة حال أُجريت الانتخابات التشريعية، مرورًا بفشل اليسار الفلسطيني حتى اللحظة في تكوين قائمة موحدة، وليس انتهاءً بترحيل كل إفرازات الانقسام إلى حكومة ما بعد الانتخابات حيث المستقبل المجهول بالنسبة إلى المتضررين من الانقسام.
الأزمات الإنسانية والسياسية السابق ذكرها تُفاقم المسؤولية الوطنية والمجتمعية على كاهل أعضاء المجلس التشريعي المقبل، الذي نأمل منهم أن يُشكِّلوا أداة رقابية فاعلة للضغط على الحكومة المقبلة كي تتحلى بمسؤولياتها الوطنية، وتعتمد المساواة منهاجًا للتعامل بين الضفة وغزة، وتقوم بواجباتها المجتمعية بمعالجة مشكلات وهموم المواطن الفلسطيني التي تفاقمت نتيجة الانقسام السياسي الفلسطيني.
كما نأمل من المجلس التشريعي المقبل القيام بمراجعة قانونية شاملة لكل القوانين والمراسيم الرئاسية التي أُصدِرت خلال مرحلة الانقسام في الضفة وغزة على حد سواء، وإقرار ما يعزز من صمود المواطن الفلسطيني ويخفف من معاناته، في مقابل تعديل أو إلغاء كل ما يتعارض أو يتنافى مع دولة القانون والمؤسسات التي ننشدها جميعًا.
ملفات ثقيلة تنتظر حكومة التوافق المقبلة، بدءًا من إتمام ملف المصالحة المجتمعية، وتوحيد المؤسسات، ومعالجة ملف موظفي حكومة غزة، وإلغاء شرط السلامة الأمنية للتوظيف في الضفة، ومرورًا بإعادة الحقوق المسلوبة للفئات المتضررة من الانقسام السياسي كنواب المجلس التشريعي، والموظفين المفصولين تعسفياً من جراء أحداث الانقسام، وليس انتهاءً بإعادة بناء الأجهزة الأمنية في الضفة وفق منظور وطني بعيدًا عن عقيدة التنسيق الأمني التي أفسدت العقول والقلوب.
لا نستطيع التقليل من أهمية ما ذكرته من ملفات عالقة، فإنهاء الانقسام بالنسبة للمواطن الفلسطيني يعني معالجة مشكلاته العالقة على قاعدة العدل والمساواة بين المواطنين دون الالتفات إلى انتمائهم السياسي، أو مكان سكناهم في الضفة وغزة، وهي مهمات تنتظر من يحمل أمانة المرحلة المقبلة، فمن دون معالجة ما ذُكِر من هموم، ستتواصل الأزمات الإنسانية والسياسية، وسنبقى نراوح مكاننا، وستصبح الحوارات الوطنية مناسبة واهية لالتقاط الصور دون الولوج إلى حقيقة الأزمات التي يعيشها المواطن الفلسطيني، والذي نؤمله بمستقبل أفضل في اليوم التالي للانتخابات المقبلة.