قبل أن تنجلي نتائج الانتخابات الإسرائيلية، أعطت استطلاعات الرأي الأفضلية لنتنياهو كرئيس للوزراء، وبفارق كبير بينه وبين خصومه، فما زال المجتمع الإسرائيلي يرى نتنياهو قائدًا حقق الكثير من أحلامهم التوراتية، وتطلعاتهم السياسية، وأطماعهم الاستيطانية.
وحتى مساء يوم الجمعة القادم -موعد الإعلان عن النتائج النهائية- تظل كتل الأحزاب الإسرائيلية تتأرجح بين فوز معسكر اليمين بقيادة نتنياهو، أو فوز معسكر منافسيه على اختلاف مشاربهم، وتعدد اتجاهاتهم، والتي لن تسمح لهم إلا بإقامة كتلة مانعة، تحول دون تشكيل حكومة برئاسة حزب الليكود، وهو الحزب الذي يلتقي على حياضه كل المتطرفين، وهو الحزب الذي أعطته الانتخابات الرابعة الأفضلية، ليظل القوة الوحيدة القادرة على لملمة أطراف المعادلة الحزبية، برصيد من المقاعد قد يتجاوز الثلاثين، تمكنه من استقطاب الأحزاب اليمينية، والتي لا تخفي رغبتها في تشكيل حكومة متطرفة، تضم حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت، وحزب إسرائيل بيتنا، بقيادة أفيغدور ليبرمان، وهذا أمر وارد، إذا رأت أطراف اليمين أن المصلحة تقضي تجنب جولة خامسة من الانتخابات.
لقد حافظ حزب الليكود على تفوقه رغم انشقاق حزب "تكفا حدشاه"، ورغم لائحة الاتهام الموجهة لرئيس الحزب، فما انفكت الأغلبية في المجتمع الإسرائيلي ترى بنتنياهو قائدًا وزعيمًا قدَّم لإسرائيل خدمات أمنية واقتصادية ودبلوماسية أكثر بكثير من تهم الفساد، وكأن الإسرائيليين يقولون: نفضِّل قائدًا فاسدًا، شرط أن يكون ناجحًا، وينتصر لقضايا المستوطنين، وينتصر لأطماع الصهيونية الدينية، وينتصر لمستقبل الأجيال الباحثة عن الاستقرار الاقتصادي، والسلامة الأمنية، ولا نفضِّل قائدًا نقيًا من شوائب الفساد، ولكنه عاجز عن تحقيق طموحات وتطلعات تجمُّع بَشريّ لا يعرف حدودًا لأطماعه واعتدائه على الشعوب الأخرى.
لقد نجح نتنياهو في قراءة شخصية اليهودي، وتعرَّف على تاريخه جيدًا، وقرأ سيرة من سبقه من أنبياء (إسرائيل) وقادتها، وأيقن أن جمع المال هو أكثر ما يشغل بال اليهودي عبر التاريخ، وأن الأمن والاطمئنان على ما جمع من مال هو الطريق لنيل الثقة، وأن الأمن مقترن بالولاء للعقيدة اليهودية، والبقاء فوق أرض الأجداد التي يزعمون، وهذا ما حرص عليه نتنياهو، وجعله عنوانًا لخطاباته الانتخابية.
لقد جاء الهدوء واستقرار الأمن على أرض الضفة الغربية بمثابة الهدية الثمينة التي قدمتها القيادة الفلسطينية لنتنياهو، وهذا ما وظفه نتنياهو في خطابه الانتخابي، وهذا ما تفاخر به على كل القيادات الإسرائيلية، فادعى أنه الوحيد الذي وفَّر الأمن على أرض الضفة الغربية، وأنه الراعي للتوسع الاستيطاني، وإنه الفاتح للتطبيع مع القادة العرب، وحقق التهدئة مع غزة، ورفع من شأن (إسرائيل) في المحالف الدولية، حتى فاق عدد الدول التي تعترف بإسرائيل مئة دولة، منها دول عربية وإسلامية.
الإسرائيليون لم يعاقبوا نتنياهو بسبب ملفات الفساد، فهم يفضلون زعيمًا فاسدًا، يحقق لهم أطماعهم، على زعيم غير فاسد، وعاجز عن الوصول معهم إلى أعلى درجات الأمن والأمان والرخاء الاقتصادي، وهذا هو منطق التجمعات البشرية التي تنشأ وفق حسابات الربح والخسارة، فما داموا هم يربحون فلا بأس أن يتربح زعيمهم، وأن يتربع ملكًا بلا منازع.