لا يختلف اثنان على أهمية تحريك الشارع الأوروبي والدولي للتضامن مع القضية الفلسطينية كحصار غزة وإضراب الأسرى وتهويد القدس وتوسيع الاستيطان، الأمر الذي يسلط الضوء على طبيعة دور سفارات السلطة في الخارج التي يتهمها فلسطينيو الشتات بالانشغال عن تلك القضايا، بل ويعتبر آخرون أنها مارست دورا تحريضيًا ضد الفعاليات التضامنية في كثير من الحالات.
ويبقى التساؤل هنا: حول آلية تعاطي تلك السفارات مع القضايا والملفات المهمة، وحول أوراق القوى لدى فلسطينيي الشتات التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في الصراع مع الاحتلال إن استخدمت.
و يؤكد رئيس الحملة الأوروبية لفك الحصار عن غزة من باريس مازن كحيل أن الأداء الرسمي للسلطة وممثلي سفاراتها في الخارج سلبي بدرجة كبيرة وهي بعيدة عن ما يطمح إليه أبناء الجاليات الفلسطينية.
وقال كحيل لصحيفة "فلسطين": "إن السفارات غير مهتمة بتحريك الجاليات الفلسطينية تجاه القضايا التي تهم الشعب الفلسطيني وعلى رأسها الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وقضايا الأسرى والقدس".
أماكن نفوذ
وكان بإمكان السفارات، والكلام لكحيل، أن تلعب دورًا مهمًا في الشارع الأوروبي وأن تعمل على لم الشمل الفلسطيني، موضحاً أن تلك السفارات مشغولة بأمور بعيدة كل البعد عن اهتمام الشعب الفلسطيني وجالياته.
ورأى أن السفارات في أوروبا كما هي في الخارج، تعد أماكن للنفوذ وممارسة السلطة، وإبرام صفقات تجارية، لتحقيق مصالح شخصية لأشخاص توسع نفوذهم، معتبرا أن آخر همومهم هو تمثيل الشعب الفلسطيني والالتحام مع قضاياه.
وأشار إلى أن الجاليات انفضت منذ زمن عن السفارات لما رأته من أدوار سلبية تلعبها تلك السفارات في الخارج، مبيناً أن هذه السمة السلبية غالبة في معظم سفارات الخارج، مع بعض الاستثناءات.
وحول طبيعة الدور السلبي للسفارات، أوضح كحيل أنها لم تشارك بفعاليات كسر الحصار، وأنها مارست دوراً تحريضياً ومقاطعاً لبعض النشاطات التي تدعو إلى كسر الحصار وتخفيف المعاناة والألم عن الشعب الفلسطيني في غزة.
وتابع: "نقوم بتوجيه دعوات لسفراء فلسطين في كل الفعاليات التي ننظمها لصبغها بالوحدة، لكنهم لا يتجاوبون معها، ويحاولون الابتعاد عن أنشطة الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية الداعمة للقضية الفلسطينية".
وبين أن غياب دور السفارات يكشف الظهر ويضعف الموقف الشعبي الفلسطيني، متهما السفارات بأنها غير مؤيدة للعناوين الكبرى للقضية الفلسطينية كالثوابت والحصار والمستوطنات، وانتهاكات الاحتلال، والجدار.
واستدرك: "إن السفارات تشتت جهود الشعب الفلسطيني وتتعامل بحزبية مع أبناء الشعب الفلسطيني وتفرق بينهم على أساس الانتماء الحزبي".
ودلل على ذلك بما وصفه بالدور التحريضي الذي مارسه ممثل فلسطين في البرلمان الأوروبي ومجلس العلاقات الفلسطينية الأوروبية تجاه التحركات الشعبية الفلسطينية في الساحة الأوروبية، واعتذار السفراء عن المشاركة بمؤتمرات العودة التي ينظمها الفلسطينيون كل عام بالعواصم الأوروبية.
دور ضعيف
ويقول رئيس التجمع الفلسطيني في إيطاليا محمد حنون: "لا نستطيع كمؤسسات مجتمع مدني وممثلين عن الفلسطينيين في الخارج، أن نتحدث باسمهم رسميا، نتيجة وجود سفارات السلطة والتي مفترض أن تكون معنية بالتواصل مع الأوروبيين بالدرجة الأولى".
وأضاف حنون لصحيفة "فلسطين": "إن ما تفعله سفارات السلطة لا يتعدى 5% مما تستطيع القيام به"، موضحًا أن لدى تلك السفارات إمكانيات العمل بنسبة كبيرة لإحداث تفاعل حقيقي وكبير في الشارع الأوروبي مع أي تحرك فلسطيني.
إلا أنه ذكر أن جهد السفارات قليل جدا مقارنة بما هو موجود على أرض الواقع، مشيرا إلى أن ما تقوم به المؤسسات الفلسطينية الشعبية يتجاوز بكثير ما تقوم به السفارات في القارة الأوروبية.
وأكد حنون أن المطلوب من تلك السفارات التواصل على مدار الساعة مع رئاسة الجمهوريات والوزراء والبرلمانات الأوروبية ومجالس حقوق الإنسان، لأخذ موقف إيجابي وبنّاء يدعم الموقف الفلسطيني.
وبيّن أن الحضور الفلسطيني في أوروبا لا تفصله التجاذبات الحزبية نتيجة الانقسام الفلسطيني بالداخل، مردفاً: "نحن نطالب بموقف إنساني دولي ضد انتهاكات الاحتلال للأسرى الذين يمثلون الإجماع الوطني وليس فصيلا معينا، وهذا ما يجب أن تدركه السفارات".
واستدرك حنون: "إن سفارات السلطة تستطيع دعوة مئات النواب الأوروبيين، والحصول على موقف تجاه قضية إضراب الأسرى، كذلك الدعوة لاعتصام يشارك فيه الآلاف من الفلسطينيين والمسلمين والأوروبيين وليس تنظيم اعتصام شكلي يشارك فيه مجموعة أفراد".