مجرد الموافقة على اللقاء مع رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية في رام الله جريمة، فكيف يسمح رئيس السلطة الفلسطينية لنفسه ولرجاله بأن يلتقوا بمزود جيش الاحتلال الإسرائيلي بخدمة الأمن والسلامة؟ كيف يقبل فلسطيني على نفسه أن يلتقي مع رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الذي يقف خلف كل عمليات القتل والتصفية والذبح والهدم والتوسع الاستيطاني؟ وكيف يرتضي إنسان عربي لنفسه أن يجالس ويحاور ويناقش ويتفاهم مع عدو وظيفته نصب الشراك للشباب العربي، كي يزجهم في السجون، أو في دهاليز العمالة؟ وكيف يسمح إنسان حر لنفسه أن يناقش قضايا فلسطينية مع رئيس جهاز يقف خلف وجود خمسة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلية، ومن ضمنهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات ونائل البرغوثي وكريم يونس وحسن سلامة ووليد أبو دقة؟
لقد نزل خبر لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشَباك" على رأس الشعب الفلسطيني كالصاعقة، والناس بين مصدق ومكذب، ولكن الأكثر غرابة من الخبر نفسه هو الصمت المريب الذي جلل مواقف التنظيمات الفلسطينية، فلم نسمع نقدًا، أو اعتراضًا، أو لطمًا، أو ندبًا لأرض فلسطين، وسكت الجميع عن جريمة اللقاء بما في ذلك قيادة منظمة التحرير التي اتخذ مجلسها المركزي قرارا في مارس 2015 بوقف كل أشكال التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، على أن يطبق القرار في غضون ثلاثة أشهر من ذاك التاريخ.
محادثات عباس أرغومان لم تناقش أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية وآلية إطلاق سراحهم، ولم تناقش التغول الاستيطاني على الأرض، وآلية وقف العدوان، ولم تناقش اعتداءات جيش الاحتلال على المواطنين العرب يوميًّا، ولم تناقش كيفية إزالة مئات الحواجز عن طرق الضفة الغربية، ولم تناقش اللقاءات بين عباس ورئيس الشاباك آلية رفع الحصار عن غزة، ولا كيفية منع المستوطنين اليهود من اقتحام المسجد الأقصى، ولم تتطرق لوقف الاعتداء على سكان القدس العرب. المحادثات بين عباس وأرغومان تناولت الانتخابات الفلسطينية، والوضع الداخلي الفلسطيني، والتحالفات والتوافقات الفلسطينية، وعدم التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، وكأن رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية هو المسؤول عن القرار، أو كأنه المندوب السامي الذي يتفقد سلوك موظفيه، أو صاحب البيت الذي يحرص على عدم دخول الغرباء.
لقاء أرغومان عباس بحد ذاته جريمة، ومناقشة الوضع الداخلي الفلسطيني جريمة الجرائم، وطلب أرغومان من عباس عدم مشاركة حماس هو قمة المهانة، وردُّ عباس على أرغومان فيه استخفاف بالناس، الذين يعرفون أن الانتخابات استحقاق دولي، وأن المساعدات المقدمة للسلطة والاعتراف بها مقرون بالانتخابات، وأن إشراك حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني أمر متفق عليه بين عدة دول إقليمية وعربية، وأن مصر تضغط باتجاه توافق بين فتح وحماس قبل الانتخابات، حتى لا تنفجر الأوضاع بعد الانتخابات، كل ذلك معروف للشعب، فلا داعي لتسجيل بطولات، تتحدث عن رفض عباس إملاءات رئيس المخابرات الإسرائيلية، ومن المعيب أن يسجل شعب في تاريخه أن قيادته تباحثت مع أعدائه في شؤونه الداخلية.
فأين هي التنظيمات الفلسطينية حاملة البندقية؟ أين أنتم من مثل هذا اللقاء الذي يصفع مسيرة شعب بالمهانة والمذلة؟