فلسطين أون لاين

انتخابات حماس بين الديمقراطية وعوائق الاحتلال والإقليم

أنجزت حركة حماس جزءًا من انتخاباتها الداخلية المقررة في تحرك بدا كأنه تسخين لمعركة الانتخابات الفلسطينية، وإن كانت الحقيقة أن هذه الانتخابات أجريت في موعدها الطبيعي إذ تجرى كل أربع سنوات.

وقبل شهرين من انتخابات المجلس التشريعي المفترضة قدمت الحركة في قطاع غزة نموذجًا لافتًا للديمقراطية الداخلية، افتقده الكثير من التنظيمات الفلسطينية، ومنها حركة فتح، وغابت عن معظم الأنظمة العربية.

انتصار ديمقراطي

وشهدت الانتخابات منافسة حقيقية ونزيهة بين قطبين من قياديي الحركة هما الأسير المحرر من سجون الاحتلال يحيى السنوار الذي ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، والقيادي المخضرم نزار عوض الله الذي واكب الشهيدين أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، وشارك في انطلاقة الجهاز العسكري لحماس.

وأول مرة في تاريخ الحركة تتخذ الانتخابات في غزة، دون غيرها من الأقاليم، طابعًا علنيًّا في تصفياتها ونتائجها، إذ أجريت هذه العملية على مراحل، بإشراف قضائي مستقل، بانتخاب مجالس شورى في مناطق غزة، ثم مجلس شورى لكل غزة، وانتهاء بانتخاب "مجمع انتخابي" (مشكل من كل مجالس شورى الحركة التي تضم نحو 320 عضوًا) رئيسَ الحركة في قطاع غزة.

ويعبر ذلك عن ممارسة ديمقراطية حقيقية وعريقة في حركة يصنفها الغرب والكيان الصهيوني إرهابية، لتؤكد أن الشعب الرازح تحت الاحتلال قادر على الانتصار على محتليه، ليس في ميدان المقاومة فقط، وإنما أيضًا في الحرية والديمقراطية والشفافية ليرفع من يراه أكثر كفاءة لخوض المعركة مع المحتل الذي يمتلك كل التكنولوجيا الحربية، ويسوق نفسه واحة ديمقراطية وسط العالم العربي.

وأرسلت حماس صورة بأنها تدخل الانتخابات العامة موحدة وقوية، أمام فتح المنقسمة على نفسها، على صعيد القوائم والرئاسة، وأمام فصائل فلسطينية تزعم الديمقراطية في أدبياتها وتفتقدها في ممارساتها.

ومن المؤمل أن يكون لذلك تأثير إيجابي على الساحة الفلسطينية، باتجاه تعزيز الخط الديمقراطي في الفصائل وتقويته في سلوكها.

وتقدم حماس بهذه الانتخابات أيضًا صورة مميزة وقوية للعالم الغربي، أنه يتعامل مع حركة قوية وراسخة في مفاهيم الديمقراطية التي يتعالى فيها هؤلاء على منطقتنا.

 

اهتمام صهيوني

ولذلك، أبدى الكيان الصهيوني كتابه ومعلقوه اهتمامًا بهذه الانتخابات، وإن حاول بعضهم بسوء نية اللمز بما صُوِّر صراعًا محتدمًا بين السنوار وعوض الله، إذ نقل المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، عن رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة (تل أبيب) ميخائيل ميلشطاين؛ قوله: "إن الفوز الضعيف والمتأخر للسنوار أشبه ببطاقة صفراء رفعها أمامه الناخبون من حركته"، وذلك في إشارة إلى حصول السنوار على 167 صوتًا بفارق ضئيل عن عوض الله الذي حصل على 147 صوتًا.

وزعم ميلشطاين الذي كان يرأس الدائرة الفلسطينية في شعبة الاستخبارات العسكرية أن نتائج الانتخابات في حماس تشير إلى "غضب متراكم لدى جيل القدامى في حماس، الذين وضعهم السنوار، وقادة الذراع العسكرية من حوله جانبًا، وأنه على الأرجح سيضطر السنوار إلى إبداء ليونة أكثر وأخذ الانتقادات بالحسبان".

 

صورة مشرقة مع تجاوزات

ومع أن ما رشح عن آليات وممارسات الانتخابات قليل ليس مستغربًا أن تكون هناك تجاوزات في كل انتخابات، وإن تحدثت كوادر عن خروقات تمس النزاهة ومزاعم بتدخل للجهاز العسكري للتأثير في خيارات ناخبيه، في حين شكل التنافس رغبة حقيقية من كوادر في حماس بتغيير القيادة الحالية.

ولا شك، هناك نوع من الإحباط لدى كثير لدى كوادر الحركة في ضوء استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتذبذب الأداء السياسي للسنوار، خصوصًا في المدة الأخيرة، حينما رفض في البداية تفاهمات إسطنبول ثم عاد ليدعم بشدة الموافقة على إجراء الانتخابات بالتتالي.

غير أن الرجل يسجل له أنه نجح ضمن فريقه في القيادة في استعادة العلاقة بمصر، وتخفيف حدة التوتر معها، ما أدى إلى تخفيف نسبي للحصار، متوازيًا مع النجاح النسبي لمسيرات العودة والبالونات الحارقة على مناطق غلاف غزة المحتل، ودفع الاحتلال إلى إنجاز تفاهمات لاستمرار المساعدات القطرية لغزة.

 

ديمقراطية غير مكتملة

غير أن صورة بقية أقاليم حركة حماس تظل غير قادرة على تصدير صورة واضحة عن ديمقراطيتها، وذلك لسبب مهم، وهو أن حركة حماس تعمل في إطار من السرية في إقليم الضفة وعدم العلنية في إقليم الخارج، وبذلك لا تستطيع أن تصدر ممارسات محددة في هذا الإطار، وإن كانت ستلتزم بالأسس الديمقراطية نفسها التي جرت عليها الانتخابات في غزة.

ففي الضفة الغربية يعاني تنظيم حماس الملاحقة الشرسة من الاحتلال والسلطة، وقد لا يتمكن من عقد تجمعات انتخابية كتلك التي عقدت في غزة، ولذلك نراه يقدم قياداته الأولى من مجموع الأسرى المحررين الذين توزعوا بين تركيا وقطر، وهم لا يزيدون على بضع مئات، وهذا ما يجعل الفرز غير كامل وغير معبر عن حقيقة توجهات كل الناخبين، وإن نجحت مجموعة منهم بالتواصل السري أن تحدد ممثليها في الخارج لقيادة الإقليم وممثليها في قيادة الحركة، علمًا أن الرقابة الانتخابية والقضائية على هذه الممارسة تبقى ضعيفة أو ربما معدومة.

ولهذا إن هذا الإقليم قد لا يشهد منافسة حقيقية أو تغييرًا كبيرًا في قياداته الحالية، وعلى رأسهم الشيخ صالح العاروري.

أما إقليم الخارج فهو لا يعمل في إطار من العلنية، حيث لا تتمكن الكوادر والكفاءات غير المعلنة عن التعبير عن نفسها في إطار واسع، فالكادر الموجود في الخارج يكون معروفًا في البلد نفسه وربما لا تعرفه بقية الكوادر في البلد نفسه، لأنه لا يوجد إطار معلن للعمل هناك، وربما يكون هذا الكادر غير معروف في بقية البلدان التي توجد فيها الحركة.

ينعكس هذا الأمر قطعًا على الانتخابات، لأن الكوادر المعلنة تكون لديها فرصة أكبر من غيرها للفوز، الأمر الذي يحد من إمكانية التجديد في القيادة على مستوى الإقليم أو الحركة كلها.

ولما كانت القوانين الداخلية تمنع أي شخص من إعلان ترشيح نفسه للانتخابات تحت حجة عدم تزكية النفس؛ فمن الصعب على أي كفاءة -مهما عظمت- أن تكسب أتباعًا أو أنصارًا يمكّنونها من منافسة المعلنين.

ويستدعي هذا أن تعيد حماس النظر في هذا القانون بالسماح للشخص بإعلان ترشيح نفسه من طريق برنامج يقدمه ويسوقه قبل مدة كافية من الانتخابات، كما يستدعي إشراك أكبر عدد من الكوادر من طريق المجمع الانتخابي غير المطبق حاليًّا إلا في قطاع غزة، حسب ما علمنا.

أضف إلى ذلك أن من مسؤولية قيادة الإقليم أن تتيح الفرصة لتصعيد كوادر مميزة في عملها، وتصعيدها للقيادة دون تحيز أو محسوبية أو فساد، وهذه -لا شك- مهمة تحدد شفافية القيادة ونزاهتها.

وتشير المعطيات إلى أن منافسي السيد خالد مشعل أعلنوا انسحابهم من المنافسة مع إعلانه الترشح، ما يرجح فوز مشعل بالتزكية، إن لم يقرر المنافسة على قيادة الحركة مع السيد إسماعيل هنية الذي يسعى إلى الترشح لدورة ثانية لقيادة الحركة.

ويؤكد الفشل في إنجاز انتخابات بمعناها الكامل والحقيقي في إقليمي الضفة والخارج البيئة الصعبة التي تتحرك فيها حركة حماس، إضافة إلى قصور في الأداء الديمقراطي ناتج عن تأخر التشكيل القيادي في معالجة مشكلة التصعيد القيادي الذي يؤمل التخلص منه في السنوات القادمة.