مع أفول شمس إدارة ترامب، ومجيء بايدن، بدأ الإسرائيليون يجرون ما يمكن وصفه بـ"مراجعات" بشأن مستقبل علاقتهم بالولايات المتحدة عمومًا، على اعتبار أن الانطباع السائد لدى الولايات المتحدة الأمريكية أن (إسرائيل) مصدر إزعاج لها، وتتحدث فقط عن مشاكلها، وأنها رغم كل ما قامت به لم تكن قط حركة رائدة بين يهود أمريكا.
إن اعتقاد كثيرين في (إسرائيل) أن ترامب كان أفضل رئيس بالنسبة لها يشبه السؤال عن أفضل لاعب كرة سلة، فكل شخص لديه ما يفضله، رغم أنه فعل لها أشياء لم يفعلها رئيس من قبله، وفعل ذلك على الأرجح انطلاقًا من مصدر اضطراب بطبيعته، وليس لدوافع سياسية بحتة، ويعد أول رئيس في العصر الحديث يكسر فكرة التوازن الأمريكي باتجاه الصراع العربي الإسرائيلي- الفلسطيني، ما أعجب كثيرًا من الإسرائيليين.
كما أن استفسار كثير من الإسرائيليين عن علاقة نتنياهو بإدارة بايدن حتى الآن لا يعطي انطباعًا بأنهم مهتمون بها كثيرًا، فالأخير لديه مشاكل أكبر من الشرق الأوسط، حتى في الولايات المتحدة نفسها، وحصل على بلد يعاني كثيرًا من الإهمال، ليس فقط من عهد ترامب، ولكن أيضًا بعد 8 سنوات من حكم أوباما، وقبله بوش الابن، ما يطرح أسئلة عن تصنيف (إسرائيل) في الولايات المتحدة اليوم، ومدى معدلات دعمها.
لكن هذا السؤال يمس قلب العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، والقصة ليست دعمًا سياسيًّا، بل إن الأسباب في الغالب دينية، فالولايات المتحدة دولة بروتستانتية بنسبة 56% من سكانها، وموقفهم تجاه اليهودية مختلف عن الموقف الكاثوليكي، وهنا يكمن الدعم الديني الهائل الذي تتمتع به (إسرائيل) بين الجمهور المسيحي.
يلقي الإسرائيليون باللوم على حكومتهم لأنها لم تستغل جيدًا علاقاتها بالولايات المتحدة زمن ترامب، بعيدًا عن جني ربع تريليون دولار سنويًّا من الاستثمار الأجنبي، فهناك 5500 جامعة أمريكية تضم 23 مليون طالب، ومليون يسافرون كل عام للدراسة في الخارج، وأقل من 3000 فقط يأتون (إسرائيل)، ويتساءلون: كيف لم يصبح إحضار 100 طالب هنا كل عام هدفًا إستراتيجيًّا لـ(إسرائيل)؟!
تواجه (إسرائيل) مشكلة في الولايات المتحدة تتمثل في غياب الحوار مع شباب الحزب الديمقراطي، رغم أن الأخيرة تمر بعمليات عميقة جدًّا من العلمنة، لكن خطاب العدل والحقوق ليس على رادار الإسرائيليين، فلهم خطابهم وأجندتهم الخاصة، وما دامت لا تتواصل مع الجماهير الشابة في الولايات المتحدة؛ فالتقدير السائد أنها لن تنجح.
المشكلة التي تواجهها (إسرائيل) مع نشطاء المقاطعة في الولايات المتحدة تبدأ أولًا في النصوص الأكاديمية، ما قد يتطلب منها رسم خريطة مستهدفة للتخصصات الإنسانية وعلم الاجتماع، وترى أنها بحاجة بشكل منهجي لمتابعة الأكاديميين الساعين لفضح صورتها الحقيقية بين الأمريكيين، وهذه واحدة من مشاكلها الدبلوماسية.