فلسطين أون لاين

تنامي ظاهرة رفض الخدمة العسكرية الإسرائيلية

صدرت مؤخرًا جملة تصريحات عن كبار جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلي يعربون فيها عن مخاوفهم من تراجع ثقة الإسرائيليين بجيشهم، وتأثير ذلك في تراجع انخراطهم في صفوفه، وكشفت استطلاعات الرأي عن زيادة حدة الانتقادات لجيش الاحتلال، بعد أن بقي ما يزيد على سبعة عقود بمنأى عن أي اتهامات وخلافات، مما انعكس بدوره على تراجع الحافزية للانخراط فيه بمعدلات تصاعدية.

تمكنت ظاهرة رفض الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي من "زلزلة" المؤسسة العسكرية وصدم الرأي العام بعد وصولها لوحدات الجيش النخبوية، وكشف قسم القوى العاملة فيه أن 40% من الجنود لا ينهون سنوات خدمتهم لأسباب مختلفة: دينية (طلاب مدارس "الحريديم")، ونفسية صحية، وعائلية، أو لوجودهم خارج (إسرائيل)، وكأننا أمام "ثورة متنامية"، وقال قسم القوى العاملة إن "العصيان الكبير سيأتي"، ويبدو أن هذه التوقعات آخذة في التحقُّق تدريجيًّا.

بدأت هذه الظاهرة بصورة متصاعدة عقب هزيمة 1973، ثم الحرب اللبنانية 1982-1985، والانتفاضات الفلسطينية، وحروب غزة الأخيرة، التي شكلت مناسبات متلاحقة، وإثباتات مخيبة للآمال على الانتكاسات المهينة للجيش، وأكدت التدني الأخلاقي لمستوياته القيادية وزيادة التأثير السلبي لإخفاقاته على صورته.

أسهمت هذه التطورات المتلاحقة منذ أربعة عقود، أي أكثر من نصف عمر الدولة، في تراجع قناعة الإسرائيليين بأن لديهم الجيش الأقوى في العالم، وعلى العكس، فإنهم اليوم أقل تفاؤلا وأكثر خوفا، وتراجعت ثقتهم بجيشهم "الذي كان لا يقهر".

ينشر قسم الموارد البشرية في جيش الاحتلال معطيات سنوية عن أفواج المجندين، وأكدت تقاريره للسنوات الأخيرة أن الشبيبة اليهودية غدت أقل حماسة للتجند، وأقل رغبة للانخراط ضمن وحداته القتالية، لعدة أسباب: انخفاض مكانة الخدمة العسكرية بوصفه تعبيرًا عن الانتماء للدولة، عدم تحقق الوعود بحسم الحروب التقليدية دون دماء وعرق ودموع، وعدم بناء روح قتالية، تصاعد معدلات "العلمنة والأمركة والتوجه نحو اللذة في (إسرائيل)"، وتحوُّلها إلى "مجتمع الثلاثة V" "الفيديو والفولفو والفيلا"، وظهور الإسرائيلي الذي ينصرف عن الخدمة العسكرية ويفر منها.

في إثر الحروب الأخيرة التي خاضها جيش الاحتلال في لبنان والأراضي الفلسطينية تزايدت المطالبات الرسمية والشعبية بتشكيل لجان للتحقيق في "الهزائم" التي مني بها، ومحاسبة الجنرالات المسؤولين عن "العار" الذي لحق بالدولة، التي باتت مقتنعة بأن مؤسستها العسكرية فقدت مصداقيتها، وتراجعت قدرتها على إدارة الدولة وقيادة جيش الاحتلال، ولم يعد يمتلك رئيس الأركان تلك الصلاحية والمرجعية الأخلاقية لإرسال الجنود للحرب القادمة.

يكفي استحضار إفادة لجندي إسرائيلي عاد من الخدمة في غزة خلال الانتفاضة الثانية بقوله: "كان ذلك كابوسا حقيقيا، غزة عش من الدبابير، وأفضّل خدمة شهرين عند الحدود مع لبنان على الخدمة أسبوعين على حدود غزة، كلما تذكرت أنني سأضطر للعودة إلى كل هذه الأماكن اعترتني قشعريرة وتصبب العرق مني".