فلسطين أون لاين

التغافل من شيم الكرماء

...
م.عماد صيام.jpeg
م.عماد صيام

التغافل: هو تصنُّع الغفلة والتظاهر بها عن الزلات وعدم الالتفات إليها والاهتمام بها، فمهما بلغك من إساءة تراها أو تُنقل إليك من شخص ما فتغافل عنها كأنك لم تعلم بها، وكذلك ما يقع من المواقف المحرجة للبعض، فمن حسن الخلق التغافل عن ذلك، وعدم إشعار صاحب الموقف بأنه شوهد أو شُعِر به، قال الإمام ابن الوردي رحمه الله تعالى:

وتغافل عن أمـور إنه ** ليس يسعد بالخيرات إلا من غفل

وكثير من المشكلات تحدث بتصيُّد الأخطاء وتتبع الزلات والهفوات، فالزوج لا يتغاضى عن أخطاء زوجته، والزوجة لا تتسامح مع هفوات زوجها، والصديق لا يلتمس عُذرًا لصديقه، ولا الجار لجاره ولا المسؤول لموظفيه إلا من رحم الله تعالى، مع أنَّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال: " تسعة أعشار حُسن الخلق في التغافل"، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "ما استقصى كريم قط"، وقال الأعمش رحمه الله تعالى: "التغافل يُطفئ شرًّا كثيرًا"، وقال سفيان رحمه الله تعالى: "مازال التغافل من شِيَم الكرماء".

وقد علَّمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)هذا الخلق الكريم والأدب الرفيع، فعندما أسرَّ إلى بعض أزواجه ببعض الأسرار ونبأت به وأظهره الله تعالى عليه، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعاتب بكل ما علم حتى لا يُحرج زوجته بمواجهتها بكل ما قالت، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} (التحريم:3).

ومعظم المشكلات الزوجية وحالات الطلاق، والمشكلات التي تحدث بين الأرحام والجيران والأصدقاء والزملاء سببها تتبع الأخطاء والهفوات وتخزينها في سجل طويل حتى إذا ما جاء وسواس الشيطان فُتح هذا الملف بكل شاردة وواردة ووقع ما لا تُحمَد عقباه، والبداية تكون بإساءة الظن الذي نهى عنه الله تبارك وتعالى فقال: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (الحجرات:12)، وكذلك نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا"، فإذا أوقع الشيطان خاطر التُهمة وسوء الظن في نفس شخص فإنه يريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع فيحدث التدابر وتحل البغضاء.

أما عباد الرحمن فهم متسامحون، شيمهم الصبر على الآخرين وتحمل جهالاتهم وإساءاتهم، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}(الفرقان:63)، والجاهلون في الآية -كما قال أهل التفسير- هم الكفّار أو السفهاء، والسفيه: هو الذي لا يزن الكلام، بل يلقيه على عواهنه ولا يدرك مقاييس الأمور. وأصحاب الخُلق الرفيع يتمثلون قول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199).