يمكن القول إن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية يمثل ظاهرة سياسية جديرة بالدراسة، فالرجل على الرغم من كل الاتهامات الداخلية المحيطة به، والأزمات الخارجية التي تطارده، استطاع أن يبقى على رأس السلطة في إسرائيل، بما زاد على جميع رؤساء حكوماتها مجتمعين منذ تأسيسها، وهو ما يزيد من الحاجة لإخضاع هذه "الظاهرة" لجملة من التساؤلات.
كسر نتنياهو الرقم القياسي لأطول فترة حكم لرئيس وزراء إسرائيلي، متفوقا على أول رئيس حكومة وهو ديفيد بن غوريون، من حيث المدة التي شغلها، فقد مكث بمنصبه قرابة 15 عاما، بما يوازي 5500 يوم، في حين بلغ عدد أيام إسرائيل ذاتها قرابة 26 ألف يوم، بنسبة 19٪ من تاريخها، وهو ما دفع أنصاره لوصفه بـ"ملك ملوك إسرائيل".
تولى نتنياهو رئاسة الوزراء على مرحلتين، الأولى بين 1996و1999، والثانية بدأت منذ 2009 حتى اليوم، واستطاع أن يحظى بالموقع ذاته خلال 5 جولات انتخابية شهدتها أعوام 2009 و2013 و2015، وجولتي انتخابات في 2019 و2020، ويسعى للحصول على ولاية سابعة في انتخابات 2021.
هناك جملة من العوامل الشخصية التي مكنت نتنياهو من الاستمرار في الحكم، لعل أهمها خلق عدو خارجي، وبث التهديد الوجودي والخوف لدى الإسرائيليين، كما يحصل بحديثه الدائم عن النووي الإيراني ووباء كورونا، فضلا عن إيجاد عدو داخلي، بالترهيب من أقلية عرقية أو سياسية تهدد بالسيطرة على إسرائيل، تارة بالإشارة لفلسطينيي 48، وأخرى باليساريين، وثالثة بالاثنين معا.
وهناك التهديد بالفوضى، حيث يخوف الإسرائيليين من فقدان السيطرة، ويزعم أنه الوحيد الذي يهدئ الاضطرابات، ويخلق وهم السيطرة والاستقرار، وإعلان حالة الطوارئ، بما يسمح بإصدار التشريعات المقيدة لحرية الإسرائيليين، وزيادة نطاق عمل "القائد" نتنياهو، وإلغاء الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتركيز الصلاحيات كلها بيده، وتبعيتها له، والاستبدال التدريجي للمسؤولين الحكوميين وقادة الأجهزة الأمنية وكبار القضاة، من المريحين له.
اللافت أن المعارضة الإسرائيلية تبدو عاجزة عن الإطاحة به، حيث استطاع نتنياهو "الالتصاق" بكرسي الحكم، ليس بالضرورة لقدراته الفائقة، لكنه في الوقت ذاته بسبب ضعف خصومه ومنافسيه، وقد استغل ذلك من خلال حالة التشظي التي عانتها المعارضة الإسرائيلية، لا سيما اليسارية منها، وظاهرة الانشقاقات والتفسخات التي اتسمت بها، وقدرته على "دق الأسافين" بين خصومه، عن طريق الإيقاع بينهم، وشرائه ذمم معارضيه باستيعابهم في ائتلافاته الحكومية المتلاحقة، ومنحهم مواقع حكومية وموازنات مالية، لا سيما الحريديم المتدينين الذين رجحوا كفته طوال سنوات حكمه، وتردد منافسَيْه، بيني غانتس زعيم حزب أزرق أبيض، وعمير بيرتس الرئيس السابق لحزب العمل.
كما أسهمت الأسباب الخارجية بإبقاء نتنياهو في صدارة المشهد الإسرائيلي، حيث لم يكتفِ باستغلال الأوضاع الداخلية لصالحه، بل سعى لتوظيف التطورات الخارجية، كي تخدم أجندته الشخصية.