فلسطين أون لاين

الانتخابات وتحديات المقاومة

...

تقرر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في فلسطين، وقد عالجت الجدل بشأن هذه الانتخابات، في هذه المقالة نشرح تحديات الوضع فى فلسطين وضمانات السلامة فيها.

ففلسطين محتلة منذ 1948 والموجة الثانية عام 1967، وقامت فيها مقاومة 1965 ثم مقاومة حماس 1967، وانتهى الأمر باتفاقية أوسلو، وهي التي لم تحترمها (إسرائيل)، ويا للأسف هي الإطار القانوني الوحيد للتطورات في فلسطين، الأخطر أن أوسلو مزقت الصف الفلسطيني، كما أنها أنشأت سلطة قمع المقاومة والدخول فى مفاوضات لهذا الفرض مع (إسرائيل) تحت عنوان التنسيق الأمني، في حين ينكل الإسرائيلي بالفلسطينيين دون قدرة للسلطة على حمايتهم.

مع هذا المناخ وما أحدثته انتخابات 2006 من انشطار عُنّف الفلسطيني، خاصة أن حماس مقاومة إسلامية، وحزب الله مقاومة إسلامية، فأضيف الضيق بالإسلام إلى الضيق من تحدي (إسرائيل).

ولا ضير أن يدخل الفلسطينيون الانتخابات من إطار متفق عليه بينهم بديلًا عن أوسلو، ولكن مع نقطتين أساسيتين:

الأول: هو أن تكون مصر قادرة على مساعدة فلسطين وراغبة في ذلك دون استغلالهم بالتواصل مع (إسرائيل)، خاصة مع دعم إدارة بايدن مخطط ترامب في فلسطين واستيلاء اليهود عليها، وأنه أتاح لـ(إسرائيل) الاستيلاء على القدس، وأقره بايدن على ذلك، خاصة أن صفقة القرن التي أقرها ترامب مع نتنياهو كان من أهم مفاصلها القضاء على المقاومة، وقد فسر بعضٌ تحمس إدارة بايدن لهذه الانتخابات وتعاون (إسرائيل) أن هناك مؤامرة على المقاومة بسحب التأييد الشعبي لها في الانتخابات حتى يسهل ضربها بجسارة، فيكون انحسار هذا التأييد الضوء الأخضر لضربها.

الثاني: هو أن يحذر الفلسطينيون أن تمزقهم نتائج الانتخابات، وذلك بالاتفاق المسبق على البرنامج الذي يلتزم به المنتصر والمهزوم، ومن الواضح أن المقاومة تدخل الانتخابات حتى تظهر للعالم أن معظم الشعب الفلسطيني يفضل خيار المقاومة، فكيف يمكن التوفيق بين رفض فتح المقاومة المسلحة وإصرار الفصائل على المقاومة المسلحة، حتى المقاومة الشعبية يرفضها أبو مازن رغم أنه طالب بها بديلًا عن المقاومة المسلحة، وفي هذه النقطة لا بد من التعبير بالملاحظات الآتية، راجيًا أن يستفيد منها الإخوة الفلسطينيون جميعًا، فكلنا سند لهم، ولكنهم أدرى بأحوالهم.

الملاحظة الأولى: أن الشعب الفلسطيني كله عرضة للمؤامرة والإبادة، وأن المؤامرة منفردة لأن اليهود يريدون سلب كل فلسطين.

الملاحظة الثانية: هي أن المقاومة تدخل في إطار حركات التحرر الوطني مع الفارق هو أن هذه الحركات كانت تحارب الاستعمار الأجنبي أو الاحتلال الأجنبي مثل العراق وأفغانستان، ولكن الحالة الفلسطينية مختلفة في أن اليهود يزعمون أنهم كانوا في فلسطين منذ آلاف السنين ويريدون استردادها، أما الاستعمار والاحتلال فلم يدّعوا أنهم يضمون الأراضي الأجنبية، فخطورة الاستعمار لليهود أنه إحلالي استيطاني يجمع بين سوءات الاستعمار والاحتلال إضافة إلى دعاوى الاسترداد، فالاحتلال السوفيتي لأفغانستان لم يشأ ضم أفغانستان أو الزعم بأن له حقوقًا فيها، وكذلك الحال في فيتنام واليابان وألمانيا والعراق وغيرها.

الملاحظة الثالثة: هي أن المقاومة كانت متوافقة مع الأجهزة السياسية في بعض المواقع، ومثاله فيتنام حيث استفاد المفاوض من انتصارات المقاومة، وصمود الشعب، والضغوط الدولية على واشنطن، وعمق التأثير الداخلي في قرار الانسحاب الذي عدّ إنقاذًا لواشنطن من الورطة، ولمع اسم كيسنجر في مفاوضات باريس.

أما في فلسطين فهناك صراع بين الذراع السياسية والذراع المقاومة، أي بين السلطة ومنظمات المقاومة، وهو صراع سياسي بين فتح وحماس أساسًا، فقد قادت فتح المقاومة والمفاوضات بقيادة عرفات حتى استدرج إلى رام الله حيث اغتيل، وكانت تلك أهم وظائف أوسلو من وجهة نظر (إسرائيل).

وكانت المقاومة حينذاك قبل رحيلها من بيروت عام 1982 بتواطؤ عربي ذات طابع علماني، أما المقاومة الجديدة فهي مقاومة إسلامية، وذلك أكسب الصراع أبعادًا تتجاوز المنافسة السياسية في الإطار الفلسطيني، وكان اهتمام السلطة منصبًّا على هزيمة حماس بالتعاون مع (إسرائيل) عليها تحت ستار منظمة التحرير الفلسطينية، رغم ضرورة الفصل بين رئيس السلطة ورئيس المنظمة.

الملاحظة الرابعة: هي اختلاف المحيط في كل أحوال حركات التحرير والمقاومة في كل الحالات التي سجلها التاريخ؛ فالمحيط العربي تدخل في المقاومة ضمن الصراعات العربية، وليس دعم المقاومة ضد (إسرائيل)، ثم كانت الضربة النجلاء للقضية بكامب ديفيد، فتلوعب بالمقاومة كما تلوعب بقضية فلسطين.

أما المحيط في حالة أفغانستان فداعمه واشنطن وتوابعها في الدول الإسلامية، وأما المحيط لفيتنام فكان بكين وموسكو، ولكن في يتعلق بالمحيط للمقاومة الفلسطينية برزت ثغرتان لتمزيق المحيط العربي واستفزازه: الثغرة الأولى هي الطابع الإسلامي، والثغرة الثانية هي هيمنة واشنطن على القرار العربي، وانقلب الإطار العربي لهذه الأسباب على المقاومة لمصلحة (إسرائيل) ووصم المقاومة بالإرهاب.

فما صيغة التوفيق بين المقاومة في فلسطين والسلطة الوطنية؟

لا بد من الاتفاق على هذه النقطة أن اليوم التالي للانتخابات أهم من الانتخابات نفسها.

وأخيرًا، إن الانتخابات هي ترتيب لعلاقة الحاكم بالمحكوم والحرية للمواطن في مواجهة الحاكم، في حين الوطن حجبت حريته بالاحتلال وأطماع الاستيلاء.