بشكل لافت، اهتمت وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية بنتائج انتخابات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، وكأن نتائج هذه الانتخابات ستؤثر في مجريات الانتخابات الإسرائيلية بعد عشرة أيام، وستؤثر في مستقبل الانتخابات الفلسطينية بعد شهرين، وستنعكس على مجمل المسار السياسي الفلسطيني، وعلى مستقبل الحياة في قطاع غزة.
حركة حماس لم تعد تنظيمًا محليًّا، ولا هي حركة محشورة داخل إطار الأيديولوجيا، حركة حماس غدت بالمقاومة حجر الرحى لمجريات الأحداث السياسية في المنطقة ككل، وأضحت بمواقفها السياسية موضع اهتمام الشعوب العربية، والتي ترى بالحركة رأس حربة لمقاومة المشروع الصهيوني، ونقطة انطلاق الأماني والتطلعات للشعب الفلسطيني.
وبغض النظر عن موقفنا الشخصي من حركة حماس، وهل نحبها أو نكرهها؟ هل نتفق معها أو نختلف؟ هل برنامجها السياسي على صواب أو كانت خطأ؟ ودون الالتفاف إلى شخصية الفائز برئاسة مكتبها السياسي في قطاع غزة، فالمنطق والعقل يفرض علينا نحن الفلسطينيين أن نعترف لحركة حماس بتقدمها خطوة على بقية التنظيمات الفلسطينية في موضوع الديمقراطية، وهذه مفخرة لفلسطين كلها، ولا سيما حين يصل التنافس على رئاسة المكتب السياسي للحركة في غزة إلى هذا المستوى من التوازن الذي شد إليه الأبصار، وأثار الاهتمام، فهذه الحركة لا تستسلم للفرد القائد، ولا تبايع دون وعي، ولا تضع الرئيس في موضع المنزه عن الخطأ، وإنما تقيِّم المهمة، وتحاسب المسؤول، وتفاضل بين القدرات، ولديها كومة من الكفاءات والقيادات القادرة على العبور بسفينة المصلحة الوطنية إلى بر المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
لقد سبق لحركة حماس أن استبدلت رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل وهو في قمة ذكائه وعطائه وصحته وقدراته ونشاطه وعلاقاته الدولية والعربية، ليكون التجديد لرئاسة الحركة رسالة إلى كل التنظيمات الفلسطينية؛ بأن التنظيم ليس ملكًا لشخص، ولا هو حبيس قدرات شخص، ولا هو ورثة لمجموعة أشخاص يسيطرون على الهرم التنظيمي، والمسؤولية تكليف وليست تشريفًا، وأخص هنا كل من يترأس تنظيمًا مقاومًا للعدو الإسرائيلي، فمثل هذا المسؤول يحمل روحه على راحته، وقد تكون حياته وحياة أسرته كلها ثمنًا لهذا الموقع القيادي.
الانتخابات الديمقراطية التي جرت داخل حركة حماس تؤكد أن مخزون الرجال لهذا الشعب لا ينضب، وهم قادرون على المنافسة والتجديد كل أربع سنوات، وأن الخلود في الموقع القيادي جريمة بحق الوطن، وكفر بالديمقراطية والإنسانية، واحتقار للأجيال، وتسخيف للقدرات، وحبس للطاقات، وخنق للتطور، وهذه رسالة حركة حماس التي وجهتها إلى الشعب الفلسطيني مع ظهور نتائج انتخاباتها في غزة، وبغض النظر عن شخصية الفائز إن كان تحت مسمى نزار عوض الله أو يحيى السنوار، فالنتيجة واحدة، وخط المقاومة هو الأفق الذي يحتكم إليه أي قائد لحركة حماس.
نبارك لحركة حماس نجاح تجربتها الديمقراطية في قطاع غزة، ونبارك للحركة فوز المناضل يحيى السنوار، ونبارك لشعبنا الفلسطيني هذه النتائج التي تحاكي المرحلة.