إن اليهودية السياسية خرجت من الصف المؤمن من يوم إيذائها سيدنا موسى (عليه السلام)، وعندما زاغوا وفسقوا، قال (تعالى) في سورة الصف آية (5): "وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين" (صدق الله العظيم).
والفسوق لغة كما في معجم لسان العرب يعني الخروج، فسقت التمرة أي انفصلت عن نواتها.
وتاريخهم أنهم يتفننون بالكذب ويظلون يفسدون ويحيكون المؤامرات والفساد والدسائس في الظلمات من طريق منظماتهم الخفية (الحركة الصهيونية وأتباعها) منظمات عنصرية استعلائية مغلقة.
إن مشكلتنا هي مع اليهودية (العنصرية، العرقية) التي أهدافها سياسية استعلائية تستعمل تاريخًا مزورًا وكاذبًا، يعطيها حقًّا مزعومًا في فلسطين التاريخية.
إن صراعنا مع اليهودية السياسية التي استخدمت مصطلح (إسرائيل) تزويرًا هو صراع مع الكيان اليهودي السياسي الذي يحتل فلسطين.
ومن أجل تنفيذ مطامعهم واستمرارًا لسياستهم، لا يقيمون وزنًا لعهد ولا ميثاق، فهم ينقضون أي عهد أو ميثاق، قال (تعالى): "أوكلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم" (سورة البقرة آية 100).
وأرض (إسرائيل) التي يحلمون بها هي من النيل إلى الفرات، وإن اختراع ما يسمى مشروع سلام دائم وشامل ما هو إلا محاولة لإعطائهم شرعية احتلال من طريق مشاريع وحوارات تصب جلها في مصلحة وجود الكيان الصهيوني، وكسب الوقت لتثبيته بتكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ونشر الفساد والإفساد والانحطاط الاقتصادي في المحيط وغيره، وهذا ما حصل بعد اتفاقيات كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو الكارثة.
إن أرض فلسطين وما حولها أرض مباركة فيها المسجد الأقصى، وهي وقف إسلامي وعروبي، ليست حقًّا شخصيًّا لأحد كائنًا من كان حتى يتنازل عن شيء منها، فمن يتنازل عن شبر من أرضها فذلك يعني إعطاء صك شرعية للعدو اليهودي السياسي الصهيوني المسمى (إسرائيل)، وهذا يوقعه في الخيانة الموجبة للعقوبة.
إن السلام المزعوم مع اليهودية السياسية له آثار سيئة، وليكن للمهرولين والمطبعين عبرة وعظة مما حصل بعد اتفاقيات (السلام) من تشويه للتاريخ الإسلامي والعروبي، واستنزاف لثروات الأمة، وبناء أوكار للجاسوسية، وتصدير الآفات، وغير ذلك.
ولما كانت دولة الكيان الصهيوني متناقضة مع الإسلام والعروبة ومتحالفة مع الغرب الاستعماري؛ فهي رأس حربته في صدر الأمة، لتحول دون عودة وحدة أمة العروبة والإسلام ونهضتها، فصنع كيانها وعمل على تثبيته، وأعطاها أسباب استمرارها، لخدمة المشروع الغربي الاستعماري المتحالف مع اليهودية السياسية بإبقاء حالة التجزئة في العالم العربي، وإشعال الصراعات الداخلية والإقليمية في المنطقة، وانتشار أنظمة القمع والقهر والتغريب و(العلمانية).
إن العدو (الإسراميكي) الغربي مصلحته الحقيقية هي في إحباط أي مشروع وحدوي إسلامي عروبي، لذا إن المعركة هي مع وجود ما يسمى (إسرائيل) ونظريتها، حقها في الوجود والسيطرة والاستعلاء من خلال نظريتها الأمنية التي تقوم على مفهوم فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وعسكري يتناقض بشكل مباشر مع مفهوم أمن الأمة الإسلامية والعروبية، وتطلعها إلى الوحدة والحرية والنهضة والتقدم، فحقيقتها هي في حالة حرب مع كل المحيط العربي والإسلامي.
إن طبيعة الصراع بين اليهودية السياسية التي تحتل أرض فلسطين مركز الصراع بين حقنا وباطلهم تضع خط المقاومة والجهاد على أرض فلسطين، وأهل الجهاد والنضال لتحرير فلسطين في موضع المواجهة المباشرة وخط الدفاع الأول عن الامة، فإن تفعيل الجهاد والنضال وانتفاضة شعبية شاملة متقدمة سيهز أمة العروبة والإسلام ويحشدهم لدعم المقاومة في فلسطين.
إن على القوى المقاومة في فلسطين -وفي مقدمتها المجاهدة- أن تدرك دورها في إستراتيجية مقاومة الاحتلال الصهيوني، بحشد قواها نحو هدف دحر الاحتلال والتحرير، ولا يكون إلا بوحدة المقاومة والجهاد ضمن التعدد وتغليب الهدف على الروح الفئوية الضيقة، والتعامل مع تعدد الاتجاهات تعاملًا متوازنًا يبتعد عن الصراعات على أساس خط المقاومة لا المساومة التي تمزق وحدة الشعب ويستفيد منها العدو.
لذا في هذا الوضع الفلسطيني الذي نشهد لا بد من جبهة وإطار جامع سليم الهدف جهادي مقاوم، لذا يستلزم ذلك من القوى الإسلامية المجاهدة أولًا استيعاب جهود القوى الوطنية الأخرى المقاومة وتوجيهها نحو دحر العدو، وتجنب أي صراعات أخرى، وإنما التمسك بالحكمة والموعظة الحسنة والممارسة الجهادية العملية الموجهة ضد العدو اليهودي السياسي المسمى (إسرائيل) عدو الأمة، ولا ندخل في متاهات مشاريع تسوية وهمية وصراع، يستفيد من هذه الصراعات العدو، وأيضًا الصراع بين المقاومة والمساومة يستفيد منه العدو الصهيوني، ولو استفادة من وقت يمسك أنفاسه ويعيد حساباته، يقوي بها نفسه لجولة أخرى.
الاستمرار في الإعداد والمقاومة والجهاد ووحدة خط المقاومة والجهاد هو السبيل الوحيد لدحر العدو وتفكيك كيانه، فلا عودة إلى الوراء والاجتهاد والهرولة مع خط المساومة الذي بدأ الانحراف منذ النقاط العشر وما تبعها وصولًا إلى كارثة أوسلو وإفرازاتها وتبعاتها الدنية، فالذي يجرب المجرب عقله مخرب، ولا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.