باتت الدعوات لإنشاء كونفدرالية إسرائيلية فلسطينية تتزايد في الآونة الأخيرة ازديادًا ملحوظًا، رؤيةً حقيقيةً بين الأردن والبحر، مع أنها تتطلب نقاشًا جادًّا من جانب العديد من الأطراف الراغبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
مع العلم أن هذا الطرح ليس برنامجًا سياسيًّا، بل يروجه ناشطون يناضلون ضد الاحتلال منذ سنوات طويلة، وهذه أخطر مبادرة تحت عنوان: "أرض للجميع"، لأن البرنامج الكونفدرالي لهذه المبادرة لا يقوم على فصل من النوع الذي تعلمناه في سنوات ما بعد اتفاق أوسلو، المنطلق من فرضية الفصل العرقي القائم على أساس العداء والخوف من العرب، وصاحبته شعارات: "نحن هنا وهم هناك"، و"فيلا في الغابة"، و"التهديد الديموغرافي العربي"، وهي عبارات لا تشكل بنية تحتية أيديولوجية لأناس متساوين.
طوال العقود التي تلت توقيع اتفاق أوسلو كانت اللغة التي يعرفها اليهود عن حل الدولتين هي خطاب الانفصال، في حين أن رغبة مؤيدي الكونفدرالية تذهب باتجاه التنافس في المجال الأيديولوجي، وتقديم بديل جدير تمامًا.
هذا الخط الجديد أنتج نشطاء جددًا وأنشطة جديدة مناهضة للاحتلال، صحيح أن أي معارضة للاحتلال مهمة، لكن من الناحية العملية إن الموقف من الانفصال يمثل مشكلة ليس فقط بين مؤيدي الجانبين، ولكن أيضًا بين مؤيدي الكونفدرالية.
لا يتمثل التحدي الرئيس للجميع أمام البرنامج الكونفدرالي في الرؤية نفسها، بل في مرحلة التطبيق على الأرض، ولما كان الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي لن يتوصلا إلى اتفاق في المستقبل القريب؛ فإن المرحلة الانتقالية المتمثلة في استمرار الاحتلال قد تستمر سنوات عديدة، وربما عقودًا، ما يستدعي الحاجة لمعرفة كيفية إدارة السياسة بمنطق الكونفدرالية في واقع الاحتلال.
يعتقد منتقدو فكرة حل الدولتين أن خطاب الفصل هو مشكلة اليسار الصهيوني الذي يدعم ذلك الحل، لكنهم لا يدعمون الفصل العنصري فحسب، بل المشروع الاستيطاني بأسره، القائم على أساس العداء والتفوق اليهودي، وأن هذه التجمعات مخصصة لليهود الإسرائيليين فقط، ويستند للقيود المفروضة على حرية تنقل الفلسطينيين الآن، وفي المستقبل.
أيضًا خيار الكونفدرالية غالبًا ما يتعارض مع بناء المستوطنات التي تتطلب إنشاء مجموعة من الطرق المنفصلة، وبنية تحتية منفصلة للمياه والكهرباء، ونظامًا قانونيًّا وتطبيقًا مختلفين، ما يخلق نظامًا للفصل والتفوق اليهودي الإسرائيلي، وبذلك إن ترك المستوطنات على حالها إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي يعزز في الواقع آليات تحقيق الانفصال، وانعدام الحرية وعدم المساواة.
كل ذلك يؤكد أن الادعاء الإسرائيلي بأن التسوية السياسية مع الفلسطينيين ستحل المشكلة ادعاء ضعيف، لأن وضع الاحتلال الحالي مصمم أساسًا لتنفير أي قدرة على إقامة تسوية مع الفلسطينيين على أساس المساواة.