قرر الرئيس محمود عباس إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في كل الأراضي الفلسطينية بما فيها غزة والقدس، وقد اجتمعت كل الأطراف الفلسطينية في القاهرة في أوائل فبراير 2021، لمناقشة هذا الموضوع والاتفاق على آليات إجراء الانتخابات في مايو 2021.
وكانت حماس تحث أبو مازن لتقرير الانتخابات لأسباب أربعة فيما يبدو، الأول أن جميع المؤسسات البرلمانية والرئاسية تحتاج إلى أعضاء جدد بعد انتهاء ولاية القدامى بعد سنوات، وهذا مطلب عام تشترك فيه جميع الأطراف.
السبب الثاني هو أن الانتخابات تأكيد لحق الفلسطينيين في أرضهم ضد مزاعم (إسرائيل) وواشنطن في القدس الشرقية.
والسبب الثالث هو أن وجود نظام ديمقراطي قادر على المفاوضات مع (إسرائيل) يعطي مصداقية للجانب الفلسطيني أمام (إسرائيل) والعالم.
أما السبب الرابع فقد أكده رئيس المنظمة وأصر عليه منذ انتخابات 2006، وهو أن العالم لا بد أن يعرف من خلال الانتخابات أن المقاومة هي الخيار الأفضل للشعب الفلسطيني ونتائجها تضاف إلى مصادر شرعية المقاومة.
وقد يرد على ذلك بأن الانتخابات لابد أن تسمح بها (إسرائيل)، كما أن الانتخابات إذا أفرزت نظاما شعبيا ديمقراطيا فهو في نهاية المطاف علاقة بين الحاكم والمحكوم، علاقة داخلية، لكن على أرض محتلة، فما قيمة حرية المواطن تجاه حاكمه في وطن حجبت (إسرائيل) حريته وتستعد لالتهامه؟ ثم قيل إن الانتخابات طعم أرادته (إسرائيل) حتى ينقسم الفلسطينيون لأن السلطة تفرق ولا تجمع، يضاف إلى ذلك أن الانتخابات تُجرى وفق اتفاق أوسلو وهي بطبيعتها تجعل السلطة خادما لـ(إسرائيل) وعدوًّا للمقاومة، وبالفعل ظهر الصدام منذ ظهور نتائج الانتخابات ودخلت السلطة مع (إسرائيل) ضد المقاومة فصار عداؤها للمقاومة أقوى من عدائها لـ (إسرائيل)، فإن نسقت السلطة مع (إسرائيل) لتعطيل المقاومة وقعت في خلاف مع المقاومة، أما إن تعاونت مع المقاومة ضد (إسرائيل) اتهمت من جانب (إسرائيل) بأنها خالفت اتفاق أوسلو. وبالطبع ستُجرى انتخابات هذا العام على أساس أوسلو.
أما معارضو الانتخابات فقد أضافوا إلى هذه التحفظات شكوكا في نوايا (إسرائيل) من هذه الانتخابات، فقد قيل إن واشنطن التي تدعم الانتخابات هي نفسها التي أعلنت أنها تعترف بأمن (إسرائيل) وملتزمة بحمايتها وبأن القدس عاصمة (إسرائيل) الأبدية والدائمة.
وزاد البعض في مجال الشك بأن الانتخابات تهدف إلى فوز العناصر المناهضة للمقاومة حتى يتحقق هدف (إسرائيل) من تصفية المقاومة لا بالمواجهة ولكن بسحب البساط الشعبي من تحت أرجلها.
وزاد آخرون بأن الانتخابات وسيلة لإضفاء الشرعية على رئيس يتمكن من تسليم فلسطين بهدوء ضمن عملية سلام وهمية.
ويضيف هؤلاء أن أبو مازن صار ورقة محروقة ولذلك لن يعمل حسابه وقد يترشح دحلان أو يترشح أحد رجال حماس حتى يمكن تطويعها نحو تسوية رفضها حتى الآن أبو مازن.
أما (إسرائيل) فقد عبر كتابها في مراكز البحوث الإسرائيلية مؤخرا عن موقفها وهو يتضمن هجوما على رئيس السلطة والمطالبة بوقف المساعدات الدولية للسلطة بسبب الفساد في صرف الأموال وبسبب أن رئيس السلطة يقتسم الأموال مع قيادات المقاومة التي تسميها (إسرائيل) منظمات إرهابية.
هذا التعاون "الإرهابي" بين السلطة وحماس يستخدم الأموال الدولية والأمريكية في شكل فساد كبير، ولذلك يحثون هؤلاء وواشنطن والأمم المتحدة على أن تمسك المساعدات للإرهاب التي لا يستفيد منها الشعب الفلسطيني.
وقد تفنن الكتاب الإسرائيليون في تصوير هذا الموقف الدرامي فزعموا أن شابا كان منتسبا لحماس يكتب محذرا من هذا التعاون. وهذا الاتجاه يعارض الانتخابات لأنها تعطي الشرعية لهذا التعاون. واقترح أن توزع هذه الأموال على من يطلب السلام مع (إسرائيل) وينشق على اتجاه المقاومة.
معنى ذلك أن (إسرائيل) توافق على إجراء الانتخابات ولكن تحاول استغلالها لصالحها رغم أن هذه الموافقة تعني التخلي عن المطالبة بالقدس عاصمة لها عندما تُجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية في شرقي القدس.
وقد يسأل القارئ في النهاية: هل يؤيد إجراء الانتخابات أو يعارضها؟ وهل يقبل عليها أو يغفلها؟ وما الفرق بين انتخابات 2006 وانتخابات هذا العام؟
الحقيقة أن المسرح الفلسطيني والإقليمي والدولي قد تغير، ففي عام 2006 أجريت الانتخابات في يناير وأسفرت عن فوز كاسح لحماس وهزيمة فتح، ما أدى إلى رفض فتح المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، وبدأت المكائد وتكثيف التعاون مع (إسرائيل) مع بعض المغريات حتى إذا قامت (إسرائيل) بعدوانها على لبنان في يوليو 2006، كانت حماس قد استولت على حكم غزة لتأمين المقاومة، فأطلقت (إسرائيل) وبعض العرب على هذه الحركة انقلابا عسكريا فبدأ الحصار وخنق غزة ثم الغارة على المقاومة من حين لآخر.
غير أن البيئة الإقليمية أصابها الكثير من العوامل الجديدة، أولا: قامت ثورات الشعوب العربية في يناير 2011، فرفعت أسهم الكل في تحرير فلسطين ودعم المقاومة فبدأ فصل جديد من المؤامرة على المقاومة حتى وصل إلى حد أن الجامعة العربية اعتبرت المقاومة ضد (إسرائيل) في فلسطين ولبنان إرهابا.
ثانيا: أحبطت الثورات بدعم إسرائيلي وبدأ الانكسار للشعوب فتراجع الدعم والتأييد للمقاومة.
ثالثا: فتح جبهة ضد المقاومة لاصطفافها وإحراجها في سوريا فاتخذت حماس قرارها الذي أدى إلى مغادرتها سوريا وهذا التطور أضعف المقاومة خاصة أن (إسرائيل) تدعم المسلحين في سوريا.
رابعا: زاد الضغط على إيران داخل إيران وفي العراق وفي سوريا وفي لبنان ثم جاء الملف النووي ليضيف أعباء جديدة وكان يرجى أن يرفع الاتفاق العقوبات ولكن انحياز واشنطن لـ(إسرائيل) سمح لـ(إسرائيل) أن تضغط على واشنطن لخنق إيران.
خامسا: فتحت جبهة اليمن ومساندة إيران للحوثيين وتكثيف السعودية والإمارات حربها ضد الشعب اليمني تحت ستار ضرب وإخضاع الحوثيين ذراع إيران في اليمن.
سادسا: الاختراق الدبلوماسي الإسرائيلي في الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وارتفاع موجة العداء للإخوان المسلمين وحساب حماس على الإخوان فامتدت إليها الحملة.
سابعا: اشتداد حملة خنق غزة والمقاومة عليها وظهور دحلان واشتداد الغارات الصهيونية عليها، واتساع الخلاف مع السلطة ومع السعودية والإمارات ومصر.
ثامنا: كشف (إسرائيل) وواشنطن منذ عام 2017 عن خطة الاستيلاء على كل فلسطين تحت ستار خطة السلام.
في النهاية سوف تجرى الانتخابات، ومطلوب من كل الفلسطينيين الإقبال عليها والتحكم في التحفظات عليها، بحيث تصبح الانتخابات أساسا جديدا لشرعية المقاومة ووقف الانقسام حول المفاوضات العبثية التي جربوها وكسبت (إسرائيل) بها الوقت.