يعترف الإسرائيليون أنه مع ما لديهم من قدرات عسكرية تواصل (إسرائيل) النظر إلى نفسها على أنها كيان يهودي فحسب، يشبه تجمعات "الغيتو" في الشتات، والنتيجة أننا أمام سلوك سياسي أمني يقوم على الشد من الخصر، وقصر النظر، وتفويت الصورة الكبيرة عليها، ما يجعلها أقل جاهزية لتبني إستراتيجية جديدة لمواجهة هذه التحديات.
مع مرور الوقت يتضح أن (إسرائيل) تعمل منذ سنوات دون إحاطة لمختلف معاييرها الأمنية، ولا يتعلق الأمر فقط بصياغة سياسة مع إدارة بايدن بشأن الملف النووي الإيراني، بل أيضًا بقضايا أخرى عديدة.
الأمر يتعلق بالموافقة الإسرائيلية على تزويد دول المنطقة بمنظومات أسلحة إستراتيجية، مثل الغواصات المتقدمة لمصر، وطائرات (إف 35) للإمارات العربية المتحدة، وإعلان الضم الواسع للأراضي في الضفة الغربية، ثم إلغاء هذا الضم، فضلًا عن إصدار قرار بتوريد لقاحات كورونا لقائمة غريبة من الدول، دون تطعيم "الجيران الفلسطينيين"، مع أن الفيروس لا يتوقف عند نقاط التفتيش في طريقه إلى الإسرائيليين.
اليوم مع النتائج الماثلة من الواضح اتخاذ هذه القرارات بمعزل عن سياقها الواسع، ما يشكل نهجًا فاسدًا في اتخاذ السياسات الداخلية والخارجية، رغم استناد القادة الإسرائيليين في قراراتهم إلى عدد من الافتراضات، أولها الشعور بأن العالم مدين لهم في أعقاب الهولوكوست، والثاني أن (إسرائيل) جزيرة منعزلة.
العجز الإسرائيلي عن اتخاذ قرار مستقل بالضم أو الانفصال المدني عن الفلسطينيين، مع استمرار السيطرة الأمنية عليهم، إلى حين العثور على ما نزعم أنه الشريك السياسي، أدى إلى انزلاق إسرائيلي مستمر أكثر من خمسين عامًا في واقع دولة ثنائية القومية، وهذا الواقع نتيجة طبيعية لهذا السلوك الإسرائيلي غير الملائم للظروف السياسية والإستراتيجية، ولا يعكس التصور العام للمنطقة بأسرها.
يمكن التحقق أنه بهذه الطريقة فقط تتخذ القرارات الإسرائيلية التي تقوض مصلحتها، ولذلك لا يوجد تسويغ للمخاطر الكامنة في النهج الارتجالي الحالي الذي يوجه الساسة الإسرائيليين لمواجهة التهديدين اللذين يواجهان الدولة: الانزلاق المستمر إلى دولة واحدة بين الأردن والبحر، والمسألة الإيرانية.
إن استمرار (إسرائيل) بهذه السياسة سيترك آثاره على أمن واقتصادها ومكانتها الدولية، وعدم استقرار علاقات التطبيع مع "جيرانها العرب"، مع أن أنصار هذا النهج قفزوا عن ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكأن هذه الاتفاقات تلغي التهديدات الكامنة في زحف الضم لمستقبل وهوية (إسرائيل).
في كلتا المسألتين: الفلسطينية والإيرانية يؤدي الافتقار الإسرائيلي لنهج شامل إلى انقسام مرجعياته السياسية، أيضًا لا توجد صلة بينها، إذ تتخذ القرارات في سياق مثير للقلق بمعزل عن معناها، لأن السلوك الإسرائيلي ينطلق من سياسة رد الفعل فقط، لا المبادرة، دون ترجيح القيود والقدرات والفرص.