يعتقد بعض الناس أن الانتخابات وعمل المجلس التشريعي من المحرمات لأن التشريع لا يكون إلا لله (عز وجل)، وأن من شرع للبشر شيئًا فقد نصب نفسه إلهًا لهم، حسب اعتقادهم وفهمهم غير المكتمل لما يعنيه مصطلح "التشريع"، ولذلك لا بد من تسليط الضوء على هذه الجزئية وما يتعلق بها من محاذير.
التشريع لغة هو سن القوانين, ومن التشريعات ما يكون من الدين ومنها ما هو ليس كذلك, والتشريع الذي لا يجوز للمسلمين وغيرهم تبديله وتغييره هو ما كان من الدين, يقول (تعالى) في محكم تنزيله: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ..." (الشورى: 13)، "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم" (الشورى: 21)، أما التشريع المتعلق بتنظيم أمور الدنيا فهو متروك للمسلمين لينظموه حسب ما تقتضيه حاجة المسلمين ومصلحتهم، ويكون الأمر بينهم قائمًا على الشورى: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى: 38)، فسن قوانين تتعلق بالصحة والاقتصاد والسياسة وتنظيم الحياة وغيرها جائز ما لم تتعارض مع أحكام الشرع.
من المحاذير الخطيرة للبرلمان أو المجلس التشريعي هو اعتقاد بعض النواب أن الدستور الوضعي هو المرجعية الأساسية عند اتخاذ القرارات، وليس الإسلام، وقد نص الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، ولكنهم يتجاهلون هذا البند، تمامًا كما يتجاهلون حقيقة أخرى، وهي أن "الشعب مصدر السلطات"، فيحرم الشعب حقه في الانتخاب سنوات طويلة، فلا يكون مصدرًا للسلطات ولا علاقة له بالقيادة، إذ لم ينتخبها ولم يستفتَ في وجودها أو وجود برامجها.
ما أريد قوله إن انتخابات التشريعي مباحة، ولكنها خطرة في الوقت ذاته، وتختلف عن باقي الانتخابات، وقلتها سابقًا وأؤكدها هنا أنني يمكنني أن أعطي صوتي في انتخابات الهيئات المحلية أو النقابات المهنية لأي شخص، بغض النظر عن انتمائه السياسي أو مذهبه، ما دام مهنيًّا ومشهودًا له بالأمانة ونظافة اليد، أما في انتخابات التشريعي فلا يمكنني فعل ذلك لعدم توافر الشرط الأهم، وهو الالتزام بشرع الله وأن تمثل مبادئ الشريعة الإسلامية له خطًّا أحمر لا يتعداها إلا غادرًا أو مفتونًا بعد انتخابه؛ فهذا لا نتحمل وزره، إن منحناه ثقتنا عند انتخابه وتبرأنا من عمله عند انحرافه.
أما التحالفات في القوائم فهي لا تعني الشراكة السياسية فقط، بل تعني أيضًا الشراكة في الإحسان والإساءة، وفي الطاعة والمعصية، فإن تحالفت مع قائمة تبيح التنازل عن جزء من الوطن فأنت شريك في تنازلاتها في المجلس القادم، وإن لم تتنازل أنت، وإن تحالفت مع قائمة تطالب بمساواة المرأة بالرجل وتطالب بإقرار اتفاقية الانحطاط (سيداو) فأنت شريك لها في هذه الجريمة، ولهذا لا يجوز التحالف مع قائمة تقدم قرارات المجلس التشريعي على الشرع، أو تسمح بالتصويت على أمر حرمه الشرع، وكذلك لا يجوز التصويت لتحالفات من هذا القبيل، والله أعلم.