شهدت الساعات الأخيرة من الشهر الثاني لهذا العام شن سلاح الجو الإسرائيلي سادس عدوان جوي على الأراضي السورية، دون أن تكترث دولة الاحتلال بـأي ردود قادمة، أو موجة، ولعل الهجوم الأمريكي الأخير على الحدود العراقية السورية منح عدوانها "مشروعية" كانت بحاجتها، لا سيما في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة.
حاز التوتر الأمني والعسكري على الجبهة السورية العراقية تغطية الإعلام الإسرائيلي، مع ارتفاع مستوى الهجمات الإسرائيلية، وانخفاض مستوى الرد الإيراني والسوري عليها، إن حصل فعلًا، ما يؤكد أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على سوريا يمكن عدّها معركة حاسمة، لا سيما أنها ارتفعت في الأسابيع الأخيرة خطوة إضافية في ضوء الهجوم الأمريكي على الحدود السورية العراقية، ما يوصل العملية الإسرائيلية المستمرة في سوريا إلى مفرق طرق.
هذا المفرق تنظر إليه (إسرائيل) على أنه استمرار لهذه الهجمات دون توقف، مع أن هناك ثلاثة أهداف تضعها (إسرائيل) لهجماتها داخل سوريا، وهي: منع إقامة جبهة عسكرية جديدة على حدود الجولان، والحيلولة دون الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وحرمان حزب الله والقوات الإيرانية في سوريا حيازة أسلحة هجومية بعيدة المدى.
وخشية من التصعيد، ودخول المواجهة في سوريا مرحلة غير مسيطر عليها، أو وجود شكوك بعدم تحقيق هذه الهجمات أهدافها؛ الدعوات تتزايد في (إسرائيل) للاستمرار في العمليات الهجومية داخل سوريا، استمرارًا لإستراتيجية "المعركة بين الحروب" التي صممها الجنرال غادي آيزنكوت قائد الجيش السابق قبل أربع سنوات.
تتقاطع الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا، وأحيانًا باتجاه الأراضي العراقية، مع تطلعات المعركة بين الحروب، ويمكن إدراجها في إضعاف العناصر المعادية، وتحقيق الردع، وإبعاد شبح الحرب القادمة، لكن التساؤلات بدأت تطرح في الأروقة العسكرية الإسرائيلية عن مدى إنجاز الهجمات الأخيرة على سوريا هذه الأهداف، لا سيما الهدف المتعلق بإرجاء موعد المواجهة المستقبلية.
مع العلم أن الضربات الإسرائيلية على سوريا في السنوات الأخيرة بين 2015 و2021 -ومنها الهجوم الأمريكي على الحدود السورية العراقية- تذكرنا بالضربات التي سبقت اندلاع حرب عام 1967، فقد بدأت (تل أبيب) هجمات مركزة على دمشق منذ عام 1964، وهدفت إلى: إحباط خطة تحويل مصادر نهر الأردن، وفرض "السيادة" الإسرائيلية على المناطق المنزوعة السلاح على الحدود مع سوريا، والعمليات ضد المنظمات الفلسطينية، التي أقامت قواعد عسكرية داخل معسكراتها التنظيمية في سوريا.
وبعد أن أبدى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين قناعته بأن حسم الحرب مع سوريا كفيل بالتخلص من تهديد المقاومة الفلسطينية حينها، ذلك يفسح المجال لأن يعيد التاريخ نفسه بعد مرور أربعة وخمسين عامًا على اندلاع حرب "الأيام الستة" بالمصطلح الإسرائيلي، و"النكسة" بالمفهوم العربي.