بعد هزيمة حزيران 1967 تجددت انطلاقة الثورة الفلسطينية بمنطلقاتها الأساسية التي تُجمع على الكفاح المسلح حتى تحرير فلسطين كل فلسطين متمسكة ومجددة الميثاق القومي العربي الأول (كانون الثاني 1964) في دورته الأولى بالقدس (28/5 إلى 2/6/1964) الذي أُعلن خلاله تصديق منظمة التحرير الفلسطينية على الميثاق القومي (النظام الأساسي لمنظمة التحرير) الذي أكد تصميم الشعب الفلسطيني على عروبته وحقه في استخلاص فلسطين، وحريته وكرامته والسير قدما على طريق الجهاد حتى النصر النهائي.
واشتعلت الثورة المسلحة بعد عام 1967 ونشطت عملياتها الفدائية البطولية، وفي (10/7/1968) انعقد المجلس الوطني الفلسطيني مؤكدا قرارات المؤتمر القومي الفلسطيني وأقر الميثاق الوطني الفلسطيني برنامجه الاستراتيجي لتحرير فلسطين كل فلسطين، وبقي خط المقاومة مستمرًّا على ثوابته القومية والوطنية، ولم يكن للحركات الإسلامية أو الإسلام السياسي (المقاوم) دور عسكري أو سياسي فاعل في تلك الآونة لأسباب جدلية تحكمها الظروف سواء الإقليمية أو الداخلية أو الدولية.
وفي عام 1974 بدأ الانحراف عن الهدف الاستراتيجي للشعب الفلسطيني بشكله المساوم فيما سمي النقاط العشر للبرنامج السياسي لمنظمة التحرير، وأصبح هذا البرنامج جدليٍّا بدرجة واسعة في صفوف حركة المقاومة الفلسطينية، فكانت (جبهة الرفض) من ضمن الرافضين للحلول (الاستسلامية) وبدأ تيار في داخل حركة فتح يقوده عدد من المناضلين الميدانيين رافضا المساومة، فحمل هؤلاء الشباب المجاهدون السلاح بيد والفكر والثقافة بيد أُخرى باحثين عن عقيدة وفكر يسترشدون به لنهضة الأمة وتحرير فلسطين كل فلسطين، ودفعت ظروف التغيير السياسي نحو الإسلام العمق العقائدي والفكر الثقافي للأمة بانتصار الثورة الإسلامية في إيران (بعيدا عن التفصيلات المذهبية والجدليات التي يثيرها البعض وعدم النظر لإيجابيات هذه الثورة!).
هؤلاء الإخوة في مقدمة قيادتهم الشهيدان محمد حسن بحيص (أبو حسن قاسم) وباسم سلطان التميمي (حمدي) ومعهما الشهيد مروان الكيالي وآخرون، فكان نشاطهم وحوارهم مع التيارات الأخرى الفكرية والثقافية والسياسية بأعلى درجات الجد والاهتمام، وكانت تتسم بالمبدئية والتجديد والعمق في الفكر للوصول إلى الفكر المستنير فأوصلتهم جديتهم ونضالهم الدؤوب إلى جانب كفاحهم المسلح إلى الوصول بتيارهم إلى أرضية الإسلام المقاوم عقيدة وفكرا وممارسة جهادية، فكانت ممارستهم الجهادية ومن خلال حركة فتح ممتدة إلى القوى الوطنية والإسلامية (المقصود، الإسلامية المقاومة في ساحات المواجهة مع العدو الإسراميكي الغربي).
وبدأت تجربتهم في العمل الجهادي الإسلامي المقاوم في فلسطين وأسس تيار وليس (تنظيم) سرايا الجهاد الإسلامي فكان له الدور الفاعل والأولي في دخول الإسلام المقاوم للعدو الصهيوني ودفع خط المقاومة ورفض المساومة بدءا من الساحة الفلسطينية، فكانت العمليات البطولية ومن خلال الجهاز الغربي ولجنة (77) ذات الطابع الإسلامي عملية حائط البراق، وعملية محاولة نسف الكنيست (الإسرائيلي) وعملية الدبويا (الخليل) وغيرها.
ناهيك من الدور في تأجيج الانتفاضة الأولى (1987) وبدأ الزخم الإسلامي المقاوم موحدا إلى حد مقبول مع التيارات القومية والتقدمية الأخرى في القيادة الموحدة للانتفاضة، ودفعها وزاد دور وأهمية التيار الإسلامي بعد عملية الجهاد الإسلامي (بيت ليد البطولية).
وكان لدخول الإسلام المقاوم ساحة المقاومة لا المساومة دور كبير في الحد من تمدد المساومة، وساهم في التركيز على شعار دحر العدو الإسراميكي ومشاريعه. وكانت المقاومة الإسلامية في لبنان في صف المقاومة الوطنية الأول ضد الاحتلال الصهيوني للبنان، وساهمت نشاطاتها بتسريع خروج القوات الأجنبية الاستعمارية المتحالفة مع العدو الصهيوني، فكانت عملية استهداف مبنيين للقوات الأمريكية والفرنسية في بيروت قُتل فيها 299 جنديا أمريكيا وفرنسيا في 23 أكتوبر 1983، أجبرتهم على خيار الانسحاب العسكري المُذل من بيروت، وتوالت عمليات المقاومة الإسلامية والتقدمية مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي وغيره في دحر العدو الصهيوني إلى شريط عملائه في الجنوب واستمرت المقاومة لا المساومة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حزب الله) في المقاومة والجهاد، وأخرجت العدو الصهيوني بانسحاب مُذل من جنوب لبنان وفككت مجموعة عملائه دون قيد أو شرط عام 2000، وكان هذا الانتصار العظيم للمقاومة بداية لضرب ثقة الجمهور الصهيوني بمؤسسته العسكرية، وكانت المرحلة الثانية للمقاومة الإسلامية حرب تموز 2006 مرحلة أخرى، فكان صمود وجهاد المقاومة الإسلامية (حزب الله الإسلامي) ودون الدخول مرة أخرى في تفاصيل البعض للمذهبية التي تنعش آمال العدو الصهيوني الإسراميكي. فكانت عدم قدرة العدو الصهيوني حسم المعركة لصالحه، وكانت أول هجرة داخلية للجمهور الصهيوني اليهودي السياسي وعدم شعوره بالأمن والأمان، وعاد عدد كبير منهم من حيث أتى. واهتزت ثقة الجمهور الصهيوني بعسكره وحكوماته.
وعودة إلى الإسلام الجهادي المقاوم في فلسطين ونهوضه وظهوره المتجدد، وتحت مسيرة الانتفاضة والاستمرار في خيار المقاومة وضرباته المستمرة وعملياته الجهادية الأوسع ممثلة في حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي وإخوانهم في خط المقاومة القومي والوطني، أُجبر العدو الصهيوني على الانسحاب دون قيد أو شرط من غزة، وكان لهم دور كبير في الانتفاضة الثانية جنبًا إلى جنب معا إخوانهم الخط المقاوم في حركة فتح، خصوصا كتائب شهداء الاقصى، ذات التوجه الإسلامي كأمثال مجموعات الشهداء مروان زلوم، ميسرة أبو حمدية (أبو طارق) وجهاد العمرين، وغيرهم مع القوى القومية والتقدمية المقاومة.
نخلص إلى أن خط الإسلام الجهادي والمقاوم أعطى زخما قويا للمقاومة الوطنية الفلسطينية ومتَّن من خطها وحصَّنها ووحَّد صفوفها في مقاومة العدو الصهيوني والإعداد الدائم والتوافق والتحالف الميداني مع كتائب المقاومة، وصد هجمات العدو الصهيوني ودحره وإفشال مخططاته في محاولاته المتكررة عسكريًّا ووصل إلى حد عدم قدرته على حسم أي من اعتداءاته وأهدافه.
ووصلت المقاومة إلى توازن رعب حقيقي وميداني مع العدو الصهيوني، والأمل يتصاعد بتطوير غرفة العمليات المشتركة والاستمرار في خيار المقاومة والإعداد ما استطعنا من قوة للمواجهة والاستمرار في خيار المقاومة لتحرير فلسطين كل فلسطين.
والخلاصة مما تقدم أن الإسلام المقاوم في المقدمة وكل خط المقاومة القومي والوطني أثبت فاعليته وبخاصة في جنوب لبنان الذي دحر الاحتلال دون قيد أو شرط، ودحر الاحتلال في غزة بالرغم من كل التحديات هو الطريق الأمثل، وأن انتفاضة شاملة وعارمة في الأرض المحتلة عام 1967 في الضفة وتصاعد هبات شعبية في المحتل عام 1948 هو الحل الأمثل لدحر العدو دون قيد أو شرط، ويجب الحذر من الدخول في متاهات سراب الحلول ومشاريع حل الدولتين ومحاولات جر خط المقاومة والتحرير إلى شرعية هدفها العودة إلى مفاوضات (عبثية واقعا وملموسا) تعيدنا إلى المربع التفريطي الأول الذي أوصلنا إلى أوسلو الكارثة مسؤولية يتحملها خط المقاومة الإسلامية معهم القومية الوطنية الأخرى.