يقدم التقرير الأسبوعي الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان وصفاً دقيقاً للتوسع الاستيطان اليهودي، ويتحدث التقرير عن البؤر الاستيطانية التي تفرخ المزيد من منظمات الإرهاب اليهودي، تحت سمع وبصر سلطات الاحتلال وإدارتها المدنية، ويتهم التقرير حكومات (إسرائيل) التي قادها بنيامين نتنياهو على امتداد السنوات الماضية، بأنها ترفض تصنيف هذه المنظمات منظماتٍ إرهابية، وتفضل تصنيفها اتحاداتٍ غير قانونية.
من الملاحظ أن التقرير الفلسطيني الصادر عن مكتب الدفاع عن الأرض قد اكتفى بأن حمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية، وألقى باللائمة على حكومات (إسرائيل) المتعاقبة، ولم يقدم المكتب الوطني للشعب الفلسطيني أي مقترح لمواجهة الاستيطان، ولم يقل لنا المكتب الوطني ما هي واجبات السلطة الفلسطينية أمام هذا الخطر؟ ولماذا تجاهل التقرير وجود قيادة فلسطينية، ولم يطالبها باتخاذ خطوات عملية لوقف المجزرة التي تم توثيقها على الورق؟
لقد ناقش تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض الأوضاع الحزبية داخل المجتمع الإسرائيلي بشكل مفصل، وبدل أن يتهم الأيديولوجية اليهودية بالعبث في مصير المنطقة، راح يتهم شخص نتنياهو، ويحمل تحالفاته اليمينية المتطرفة المسؤولية، وكأن الاستيطان شأن يخص رئيس الوزراء وحزبه فقط، ولا علاقة للمجتمع الإسرائيلي بالتطرف والإرهاب.
إن هذا التحليل السياسي الدقيق والرائع للخارطة الحزبية الإسرائيلية، لا يوقف الاعتداء على الأرض، ولكنه يفضح السياسة الفلسطينية التي ما زالت تؤمن باستئناف المفاوضات، وتؤمن بدور المجتمع الدولي في الضغط على الحكومة الإسرائيلية للانسحاب، ولذلك تجاهل التقرير دور السلطة الفلسطينية، وتغافل عن واجبات القيادة لمواجهة هذا الخطر القاضم للأرض، والقاتل لمستقبل الأجيال، ولاسيما أن التقرير يتحدث عن شروع مجموعة استيطانية متطرفة تطلق على نفسها "الحارس الجديد"، بتسييج مساحات واسعة في الأغوار الشمالية تمهيدا للسطو عليها .وهذه المجموعة تضم في عضويتها عددا كبيرا من غلاة المستوطنين المتطرفين، ممن ينفذون سلسلة اعتداءات تحت سمع وبصر وحماية قوات الاحتلال التي تنتصر للمستوطنين، وتوفر لهم كل أشكال الدعم والمساندة.
فهل وصل هذا التقرير إلى القيادة الفلسطينية؟ وهل مر على مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية؟ وما هو موقف اللجنة التنفيذية من هذا الاغتصاب للأرض؟ وأين اللجنة المركزية لحركة فتح؟ وأين المجلس المركزي؟ وهل يكفي أن يوثق الفلسطينيون الاعتداءات، ويتهموا نتنياهو وحكومته بالتطرف والإرهاب؟ وهل هذه التهم تحرر أرضاً، وتوقف اعتداءً، أم صار دور القيادة الفلسطينية مشابها لدور منظمة الصليب الأحمر الدولي، وأقرب إلى موقف المبعوث الدولي الذي يشجب ويستنكر؟
لقد اتهم التقرير الفلسطيني الإدارة الأمريكية الجديدة، وموقفها الضبابي من ملف الصراع، بأنه المحرض لحكومة نتنياهو لتواصل سياستها الاستيطانية، وقد أوعز نتنياهو الأسبوع الماضي بالبدء في تنفيذ مشروع (E1) الاستيطاني، الذي يمثل جزءًا من عملية الضم الفعلي للضفة الغربية، وتثبيت أمر واقع جديد على الأرض، في رسالة للإدارة الأميركية الجديدة بأن "إسرائيل تمارس عملية الضم وتسريع الاستيطان دون قيود. وكان حرياً بالتقرير أن يطالب القيادة الفلسطينية بتوجيه رسالة إلى الإدارة الأمريكية تربط فيها بين الاستقرار الأمني ووقف الاستيطان.
ومعروف أن سلطات الاحتلال سعت بشكل متواصل لإحكام السيطرة الكاملة على منطقة (E1)، وضمها إلى ما تسمى القدس الكبرى، لتفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها نهائيًا، وبالتالي ضمان عدم وجود أي تجمعات فلسطينية بالمنطقة. ويتضمّن المشروع إنشاء مُستوطنات جديدة تضم 4 آلاف وحدة ومنطقة سياحية وأخرى صناعيّة وعشرة فنادق ومقبرة كبيرة تمتد على مساحة 12,443 دونمًا من الأراضي المُصادَرة من قرى القدس، هذا المشروع الخطر سيؤدي إلى فصل الشوارع التي يستخدمها الفلسطينيون عن تلك التي يستخدمها الإسرائيليون.
فكيف تنام عين القيادة الفلسطينية عن ذبح الأرض؟ وكيف تهنأ بالعيش وهي تعلم بكل هذه المخططات لتصفية الوجود الفلسطيني، ولا تحرك ساكناً؟