أصدرت لجنة الانتخابات المركزية إعلانًا خاصًّا حول الفئات الواجب تقديم استقالتها بهدف الترشُّح لعضوية المجلس التشريعي، وبحسب هذا الإعلان فإنه سيتم رفْض ترشُّح كل من يبقى في المنصب كموظف في الدولة سواء كان مدنيًّا أو أمنيًّا، أو الذين يتقاضون راتبًا أو مخصصًا شهريًّا من خزينة الدولة ومن في حكمهم.
وأوضحت أنه لن يُقبَل طلب الترشُّح إلا إذا أُرفق بكتاب قبول الاستقالة من الجهة التي كان يعمل لديها، لافتة إلى أن عملية الترشح تبدأ يوم السبت الموافق 20 مارس القادم، وتمتد 12 يومًا وتنتهي يوم الأربعاء الموافق 31 من الشهر ذاته.
فهل يُعد ذلك تجاوزًا لما اتُّفق عليه في القاهرة إزاء هذه النقطة؟ وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على أصحاب الحق من المرشحين المفترضين؟ وما هو سبب إصرار اللجنة على شرط الاستقالة بهذه الصورة التي يمكن أن تحرم قطاعات واسعة من شعبنا من أصحاب الكفاءة؟ وهل باتت اللجنة أداة أخرى لتجاوز التوافق الوطني؟
وفي هذه المادة نناقش هذه النقطة ونجيب عن التساؤلات التي تثيرها حول شرط الاستقالة ونبيِّن تداعيات ذلك على المسار العام للانتخابات بشكل عام وعلى أصحاب الحق بشكل خاص، ونوضح الموقف الوطني منها.
أولا/ تجاوز التوافق الوطني
لا شك بأن إعلان لجنة الانتخابات المركزية شكَّل تجاوزًا واضحًا للتفاهمات التي أُجريت في القاهرة وما صدر عنها في البيان الختامي والذي أورد نصًّا في الفقرة (11) بضرورة رفع توصية للرئيس أبو مازن للنظر في تعديل عدة نقاط لقانون الانتخابات منها (طلبات الاستقالة)، وكأن البيان الختامي لا يحمل أي قيمة بالنسبة للجنة للانتخابات حتى تصدر إعلانها دون الالتفات لما يجري من جهد وحراك وطني.
الأمر الذي يثير مخاوف عدة تجاه أداء هذه اللجنة التي تدرك أكثر من غيرها أن بعض البنود المتعلقة بإعلانها الأخير ضار بفئات عديدة من المرشحين بل مقيد لحقوقهم الديمقراطية، وعلى ما يبدو أصبح البيان الختامي بشروطه وتوصياته التوافقية مجرد حبر على ورق، وهذا ما يعني أن اللجنة في واد والتوافقات الوطنية في واد آخر.
ثانيا/ استبعاد المرشحين
كان من الواجب أن لا تساهم لجنة الانتخابات في حرف المسار الديمقراطي بهذه الصورة، فهي تعلم تمامًا بأن عدم إدخال تحسينات وتعديلات على شرط الاستقالة وإبقاءه بهذه الصورة سيرتب آثارًا غير حميدة، في ظل المقاسات الخاصة التي أحاطت بإجراءات الاستقالة، والتي تجعل المرشَّح رهينة بيد سلطة الإدارة أو الجهة التي يتبع لها، فيمكنها ببساطة عدم إعطائه الموافقة، وبالتالي فقدان حقه، الأمر الذي يثير شكوك أخرى بأن جهات بعينها قد تلجأ لهذا السلوك لإقصاء موظفيها لأغراض مختلفة سواء كانت سياسية أو حزبية أو في إطار المناكفات الشخصية.
والأصل أن تقبل الإدارة طلب الاستقالة فورًا إذا كان الغرض من ذلك الترشُّح للانتخابات وإلا تمارس سلطة تقديرية بين الموافقة أو الرفض لتعلق ذلك بمصالح وطنية عليا لا يمكن السماح فيها بالمزاجية أو عرقلة الإجراء أو تأخيره.
ثالثا/ إصرار اللجنة
لا شك أن خروج إعلان لجنة الانتخابات المركزية بهذا الشكل مع بقاء النقاط الخلافية السابقة كما هي دون تعديلات يشكِّل انتكاسة كبيرة، بل صدمة لكل المجموع الوطني، ويكشف حالة من الانسجام بين هذه اللجنة والسياسات التي يفرضها الرئيس عباس، والذي لا يرغب فعليًّا في إجراء أي تعديلات في هذه النقاط، في ظل تصميم اللجنة على الخروج ببيان أو إعلان تحفَّظت عليه بل رفضته معظم القوى والفصائل الوطنية، إلا أن اللجنة لم تعِد النظر فيها ولم تقدِّم أي استعدادات لإجراء تغييرات في تفاصيل هذا الشرط والنقاط الأخرى ما يجعلها عرضة للانتقاد ويضعها في موقف حرج.
رابعا/ اللجنة أداة لتفجير المسار
يجب أن تدرك اللجنة برئيسها السيد حنا ناصر أنها تسير على حقل ألغام وأنها تتسبب سواء بقصد أو بغفلة منها في إثارة الجمهور ضدها وكل المكونات السياسية في إثر تبنيها شروطًا وضعت لأغراض سياسية بالأساس ضمن القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس أبو مازن، والتي كان الهدف منها تأمين الرئيس وتثبيت أركانه وتدعيم حزبه وإقصاء أكبر قدر من خصومه السياسيين، وتقييد جو المنافسة وقطع الطريق على أي تغيير مستقبلي.
وختامًا/ فإن المطلوب وطنيًّا أن تعيد لجنة الانتخابات المركزية النظر في إعلانها الأخير لينسجم مع المخرج المتعلق بالبيان الختامي لتمارس دورها الوطني من بإقناع الرئيس أو ممارسة الضغوط عليه لإجراء التعديلات اللازمة، واعتبار هذه النقاط إحدى العقبات التي تواجه المسار الديمقراطي والتي تتطلب المصلحة الوطنية تعديلها.
فهل يكونون على قدر هذه المسؤولية ويخرجون في بيان توضيحي آخر يحمل تعهدًا بإعادة النظر؟ أم أن اللجنة لا يعنيها ما يدور في الفلك الوطني وتأتمر بأمر الرئيس وتتجاهل ما دونه؟!