مع صدور القرار القضائي من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بشأن السماح بفتح تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، صدرت دعوات إسرائيلية جديدة مفادها أنه من الأفضل لها أن تقوم بأخذ زمام المبادرة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، من أجل الحفاظ على الأمن، وخلق واقع سياسي أفضل، ما سيسمح بالتحركات السياسية المستقبلية، ويمنع الخطوات الأحادية التي من شأنها أن تحبط الاحتمال للتوصل إلى تسوية سياسية.
مع العلم أن ضباط وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي ليسوا أول من يجب أن يقلق بشأن الموافقة التي تمنحها محكمة العدل الدولية في لاهاي لفتح تحقيق للاشتباه بارتكاب إسرائيل جرائم حرب، لأنه إذا فُتِح تحقيق كهذا، فإن رؤساء المستوى السياسي سيكونون عرضة للمحاكمة، لأنهم من وافقوا على الاستيطان في الضفة الغربية.
يطال القرار الدولي وزراء الحرب الإسرائيليين الذين كثَّفوا عملهم لتوسيع الاستيطان بالضفة الغربية، ومنْح المستوطنين الحماية، صحيح أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة، وليس لها سلطة على أفعالها المرتكبة داخل حدودها، أو مستوطنيها، لكن تحفُّظها هذا نابع من الخوف من الاستخدام السياسي للمحكمة ضدها.
ينبع القلق الرئيس لإسرائيل من تضمين الاتفاقية بندًا يحظر نقل السكان من حدود الدولة إلى الأراضي المحتلة، وهو ما يتعلق ببند المستوطنات، مع العلم أن لدينا سابقة في تحقيق النظام القانوني الإسرائيلي فيما يتعلق بالتحقيق بالشبهات بارتكاب جرائم دولية، خاصة من لجنة "تيركل" عقب أحداث أسطول مرمرة التركي قبالة شواطئ غزة.
يتخوف الإسرائيليون أنه إذا فُتِح تحقيق دولي ضدهم، وبدأ المدعي العام في جمع الأدلة، والتحقيق في الشكوك المتعلقة بالمستوطنات، فمن المهم أن تمتنع إسرائيل عن المزيد من إجراءات الضم الزاحفة، ووقف إجراءات ضم الفلسطينيين، وإبعادهم، خاصة من المنطقة ج من الضفة الغربية، وإحباط أي إمكانية للتوصل إلى تسوية على هذه الخلفية.
في هذه الحالة يمكن تفهُّم قلق وزير الحرب بيني غانتس من القرار القضائي الدولي، ما جعله يتصل بإدارة الصندوق القومي اليهودي، لطلب تأجيل تنفيذ القرار "الأكثر حساسية" لشراء أرض خاصة بالضفة الغربية، لأن القرار له تداعيات على المستوى الدولي، رغم صعوبة الفصل بين إسرائيل والصندوق القومي اليهودي، لأنه ليس تابعًا للحكومة الإسرائيلية، لكن القانون الذي ينظم الاستيطان في الضفة الغربية ينتهك حقوق الفلسطينيين المحمية، وبذلك أزال عقبة كبيرة أمام إسرائيل.
كل ذلك يجعل من الأفضل لإسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، أو اتخاذ تدابير مستقلة للانفصال عنهم، لحفظ أمن المستوطنين، وخلق واقع سياسي أفضل يمكّن في المستقبل التحركات السياسية، ومنع تنفيذ الإجراءات الأحادية، وبذلك، تمهِّد إسرائيل الأرضية للضغط القانوني والسياسي على محكمة لاهاي للامتناع عن فتح تحقيق ضدها.