فلسطين أون لاين

سماح وتدريبات ما قبل الزواج.. "مهمة كفحص الثلاسيميا"

...
غزة- سجى حمدان:

تحلَّقت النساء حول المُقرِئة سماح دبور وكلٌّ منهن تتلو وِردَها من رواية "قالون عن نافع"، تجمَّعن لتدبُّر القرآن وتفسير بعض آياته، خيَّم الهدوء على المكان قبل أن تجد إحداهن الفرصة مواتيةً لتُهدي سماح شيئًا من السعادة المختبئة في قلبها.

"قد كنتِ سببَ نجاح حياتي الزوجية بعدما عزمت على الطلاق" تحدَّثت الشابَّة بامتنانِ طفلٍ أُهدِيَ لعبةً على حين عيد، وما علمت أن المفاجأة التي شدَّت رحالها إلى قلب سماح وازت ألف لعبة ولعبة.

برقت الفكرةُ في عقل سماح كما لو أنها تُفكِّرُ لأول مرة، تدحرج السؤال نحو شفتيها: ولِمَ لا أُجرِّب؟

صمام أمان

سماح خريجة كلية التربية ومتطوعة في مجال قراءات القرآن: "رأيت معاناة نساء كثر حين الطلاق وما بعده"، تتحدث في "دردشة" مع صحيفة فلسطين، واصفةً رغبتها التي غمرتها لتغيير هذا الواقع.

وما بين الرغبة والتحقيق طريقٌ طويلٌ تعود بنا سماح إلى بدايته، وتمتنُّ لتلك الشابَّة التي فتحت لها بابه: "اعتدنا في أثناء تلاوتنا القرآنَ أن نفسِّر بعض الآيات، وحين شرحتُ معنى الآية الكريمة: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم:21)، كان كلامي عن الزواج حينها كأنه صمام الأمان لهذه الشابة التي أقبلت تشكرني".

ابتسمتْ كمن لقي ضالَّته بعد سنواتٍ من البحث العسير دون جدوى، وتأهَّبت سماح لخوض هذا الدرب متسلحةً بالاجتهاد والطموح، فما مانعت أن تطرق باب "الاستشارات الزوجية" غير مبالية بالانتقادات والعبارات المحبطة؛ مؤمنة بأن تحدِّيًا كهذا لا يقوم إلا بالاستناد إلى الأسس العلمية.

"بحثتُ كثيرًا، ووجدتُّ مصطلحات مختلفة مثل: "خبير علاقات زوجية" و"مستشار زواج"، وهذا يتطلب الدراسة بمجال علم النفس، والحصول على درجة الماجستير في الإرشاد الزواجي ثم التدريب الإكلينيكي بما لا يقل عن (3000) ساعة"، تصف سماح بدايات تبلور الفكرة بعدما قررت أن تدرس الجانب الاجتماعي مبتعدةً عن القانون.

اندفعت سماح نحو الاتجاه المهني؛ ذلك أن النظريات لن تفيد لحظة الالتقاء بالمشكلة والتعامل مع الناس؛ ليكتب القدر لسماح أن تستفيد من عصر "العولمة" وتتلقى التدريبات من تونس، ومصر، وأمريكا في "تأهيل الخاطبين والمتزوجين" عن طريق "الأون لاين"، إضافة إلى برنامج دبلومة الإرشاد النفسي والأُسري التابع لجامعة "عين شمس" في مصر، ومن ثم دراسة الماجستير المهني في التنمية البشرية.

"ما رأيك أن تُعطي دورةً للمقبلين على الزواج؟" كان اقتراحًا من مديرة التدريب لسماح بعدما وجدت فيها المؤهلات الكافية، لتطأ سماح أرض الأحلام وتكون واحدة من مدرِّبات "الحياة الزوجية" في قطاع غزة.

بَسَطَ التوتُّر ذراعيه على حنجرة سماح وهي تقدِّم أول ورشةٍ سبقت الدورة التدريبية؛ ذلك أنها تُقدِمُ على تنفيذ الهدف الذي رسمت له أكثر من سيناريو وبات التطبيق الآن واقعًا بحضرةِ مخاتير، وخبراء علم نفس، وأساتذة أكاديميين؛ فتُناظرهم بالمنطق، ويغلب عليهم الرضا عن أسلوب سماح في الإقناع.

"أوظِّف الدليل الشرعي في كلامي أحيانًا، لكن هذا لا يعني أنه سيؤول إلى خطاب ديني؛ فأنا لستُ داعية(...) كما أن الدراية القانونية أيضًا مهمة"، تتحدث سماح بما تؤمن به مُشيرةً بيديها علّها توصل فكرة لم يستطِع لسانها التعبير عنها تعبيرًا كافيًا.

تجليات الدرب

"توأم الروح"، "إدارة المشاعر"، "السعادة قرار"، كل دورة تقود لأخرى وكأنها تمسك بأيدي بعضها لتدفع سماح نحو مرحلةٍ قادمة: "تختلف طبيعة المعلومات التي أقدِّمها كلَّ مرة بحسب طبيعة المشاركين: مقبلين على الزواج أو متزوجين" تضيف وقد فطنت إلى النقاط التي تهم حياة كل فئةٍ منهم.

"يجب ألا نصل إلى المحكمة" هدفٌ أساسيٌّ تؤكده سماح، ولربما نفهم من هذه العبارة أن نقود الحياة الزوجية بعيدًا عن الطلاق، لكنها ما فتئت توضح: "هناك فرق بين أن نصل إلى قرار الطلاق وننفصل بهدوء، وبين أن نصل إلى المحاكم لنتحصل على أدنى الحقوق".

تشرح وهي تعود بنا إلى هدف إنقاذ الحياة الزوجية وسحبها إلى شاطئ التوافق، أما وأن الانفصال قد وقع، فيكون طلاقًا حضاريًّا بعيدًا عن المحاكم، ومبنيًا على الاتفاق في الأمور المشتركة، كتربية الأولاد دون التشهير وتقاذف التهم الذي قد يحصل.

تستعمل سماح حواسها في كل لقاء كي تجد النقاط الأساسية للمشكلة، وتصطاد المفاهيم الخاطئة التي تودي بحياة العلاقة أحيانًا رغم بساطتها، وتطوَّر ذلك ليرقى إلى "لتسكنوا" مشروع سماح الإلكتروني الذي تقدِّم عبْره "الاستشارات" بعد دراسة وجهة نظر الطرفين؛ ذلك أن عملها لا يقتصر على "حدوتة" تسمعها من النساء، وإنما "تشريحٌ كامل" لجسد المشكلة وفق الأسلوب العلمي وتحت مظلة الحياد.

"لا نزال نسعى إلى إرساء ثقافة أن يحضر الطرفان إلى الاستشارة، وهذا ما أدرسه حاليًا في رسالة الدكتوراه التي تتناول موضوع "التوافق الزواجي"، وقد نظَّمت خلالها برنامجًا تدريبيًا يختص بالأزواج عبر برنامج الزوم خلال جائحة كورونا" تتحدث سماح التي تطرق أبواب الأربعين ولا يزال بجعبتها فائضٌ من الأهداف الصعبة.

تسعى سماح أن تُعتمد هذه الدورات التدريبية كمؤهل أساسي لا يتم الزواج إلا به تمامًا كـ"فحص الثلاسيميا"، وأن يكون هناك مكتب "مُعالجة زوجية" كمرجعية للقضاء في حل المشكلات؛ يخضع الطرفان إلى جلسات تقييم، ثم يتم التعامل مع الموضوع بحسب توصيات المعالج.

تقول سماح: "خلقنا الله ليستعمرنا في الأرض، وأنا حاليًا لا أسعى للتغيير الجذري للمفاهيم الخاطئة، أكتفي في هذه المرحلة بالتأثير، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة".